حسين الرواشدة يكتب: جلد الصحفيين أرحم من هذه الغرامة

قبل سنوات فاجأ شيخ الازهر السابق «يرحمه الله» الرأي العام في مصر بفتوى تحرّم شراء الصحف التي تنشر «الاشاعات»، ودعا فيها الى «جلد» الصحفيين «الكاذبين» (80) جلدة.

في بلداننا العربية، تتحمل الصحافة والاعلام في الغالب آثام اخطاء السياسة وارتباكاتها، ويدفع الصحفيون جزءا كبيرا من حريتهم بذريعة الالتزام «بالمهنية» هذه التي تعني في القاموس السياسي العربي «التستر» على الفساد و»التماشي» مع ما تقرره المؤسسات الرسمية وما يفرضه المسؤولون من اجراءات وتوجهات، واذا ما خرجت عن هذا الخط المرسوم فان تهما كثيرة ستلاحقها، وتشريعات جاهزة وحاسمة ومغلظة ستكون بانتظارها.

«والعين الحمراء» التي تواجهها الصحافة -هنا- لا تقتصر على الفتوى الدينية التي ذهب اليها الشيخ، وانما تتجاوزها الى فتاوى سياسية واخرى تشريعية، وما اكثرها في عالمنا العربي الذي ما زال يخوض «حروبه» وثوراته المضادة ضد مطالب الشعوب وحريتهم في التعبير والكلام.

نفهم -بالطبع- لماذا تضيق صدور الحكومات من نقد «الصحافة» ولماذا تصر على ترسيم علاقتها معها لدفعها الى بيت الطاعة، لكن ما لا نفهمه هو ضيق صدر من يمثلون الناس ويتحدثون باسمهم من الصحافة، وما لا يمكن ان نستوعبه هو اصرارهم على «كتم» انفاس كل من يفكر «بالاشارة» الى فاسد.. لدرجة الاصرار على اصدار قانون يفرض غرامة تصل الى «60» الف دينار على كل من تسوّل له نفسه اتهام شخص بالفساد، حتى لو كان هذا الشخص غارقا حتى اذنيه بالفساد.

هذه -بالطبع- اسوأ فتوى سياسية يمكن ان تصدر عن اشخاص انتخبهم الناس وفوضوهم بالدفاع عن حقوقهم وحرياتهم ومصالحهم، ورفضوا تمريرها، فاننا لا نكاد نصدق بان يحدث هذا في وقت تتصاعد فيه دعوات الاصلاح ووعوده، ويحتاج فيه البلد لمواقف تطمئن الناس على جدية هذه الوعود وصديقتها.

حسنا فعل مجلس نقابة الصحفيين حيث اشهر استقالته احتجاجا على «النواب» من قانون «مكافحة الفساد» الذي اصبح قانونا لمكافحة «الحرية» وتحصين الفساد، وحسنا يفعل مجلس الاعيان اذا استدرك هذا الخطأ.. ان رفض تمريره.

حين تذكرت فتوى «جلد» الصحفيين التي اصدرها شيخ الازهر قبل سنوات قلت ان العقوبة التي يفرضها القانون الجديد اذا تم تمريره ستكون اقسى من «الجلد» لان الصحفي الذي يتهم بالاشاعة لمجرد اشارته الى قضية فساد سيدفع (60) الف دينار وهو بالتأكيد لا يملك ستين دينارا.. ولو خُيِّر وقتها بين ان يذهب للسجن او يجلد ثمانين جلده.. لاختار الثانية لانها ارحم.

عظم الله اجركم.