المؤجّل والمُعجّل في شـروط الإسلاميين الخمسة
بعض هذه الشروط، مؤجّل، لن يتحقق قبل الانتخابات البلدية المقبلة، منها على سبيل المثال، إعادة فتح الدستور للتعديل، بما يمكن من انتخاب الحكومات وتفادي حل المجالس النيابية وانتخاب مجلس الأعيان.. بعضها الآخر صعب المنال، مُعجّل، على أنه من غير المستحيل، مثل إنتاج قانون انتخابات مختلط وفق القوائم النسبية المغلقة على المستويين الوطني والمناطقي، وإناطة الإشراف على العملية الانتخابية وإدارتها لمفوضية عليا مستقلة، وضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها.
هل يعني ذلك أن إخوان الأردن لن يشاركوا في الانتخابات البلدية في كانون الأول/ ديسمبر المقبل؟.. الأرجح أنهم لن يفعلوا ذلك، وأنهم بذلك، سيتوافقون مع «الرأي العام» السائد في قواعدهم التنظيمية والجماهيرية، التي أظهرات وتظهر ميلاً للمقاطعة وفقا لمختلف استطلاعات الرأي والعمليات «الشورية» التي تجريها قيادة الحركة مع قواعدها.
هل يعني ذلك أن إخوان الأردن لن يشاركون في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بخلاف نظرائهم في معظم الدول العربية، سواء تلك التي «ضربها» ربيع العرب أو تلك التي ما زالت تعيش خريف الديكتاتورية.. الجواب عن هذا السؤال مفتوح، وإن كنت أرجح أن المشاركة وليس المقاطعة، ما زالت سيدة الموقف، فمن أين جاءني هذا التقدير المتفائل نسبياً؟!.
في ظني، وليس في هذا الظن أي إثم من أي نوع، أن مقاطعة الإخوان للانتخابات البلدية ربما تكون المدخل والمقدمة، حتى لا أقول الشرط، لمشاركتهم في الانتخابات البرلمانية.. هم أرادوا أن يبعثوا برسالة للحكومة و»الدولة»، مفادها أن مقاطعة الانتخابات البرلمانية، ستكون الخيار والقرار، إن لم يقدما على صياغة قانون انتخابات جديد، يضمن تمثيلاً عادلاً وانتخابات نزيهة وتمكيناً للأحزاب والكتل والقوائم الحزبية (النسبية).. وأن الحركة الإسلامية «جادة جداً» في مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة، وإفقادها نصابها السياسي، إن لم يحدث ذلك، بدليل مقاطعتها للانتخابات البلدية، التي تحظى بمكانة مقدرة عند الإسلاميين، لا تتوفر لدى بقية القوى السياسية، التي تظهر عادة، اهتماماً بالانتخابات البرلمانية فقط.
أي أن الإسلاميين، ربما يكونوا قرروا التضحية بما يمكن أن ينتزعوه من مكاسب عبر صناديق الانتخابات البلدية، لصالح دور أهم وتمثيل أفضل في انتخابات برلمانية تنظم على أساس قانون مختلف، وبكل نزاهة وشفافية.. وفي ظني أن الإسلاميين سيشاركون في انتخابات البرلمان السابع عشر، إن هم حصلوا على الحد الأدنى من شروطهم الخمسة، المتصلة بالانتخابات قانوناً ونزاهة وإجراءات، أما بقية المطالب/ الشروط، فهي ستظل موضع تجاذب و»نضال» للمراحل المقبلة.. وعلينا التمييز بين ما هو صعب ومُعجّل في مطالب الإسلاميين وما هو مستحيل ومُؤجّل من شروطهم.. بين ما هو مباشر وما هو بعيد المدى في مطالبهم وشروطهم.. ومن دون ذلك، يصعب فهم كنه المواقف والتصريحات التي صدرت مؤخراً عن الحزب والجماعة.
وفي ظني، وليس في هذا الظن أيضاً أي إثم، أن ثمة سببا ثانويا آخر، ربما دفع الإسلاميين لتعليق مشاركتهم على شروط تراوح ما بين الصعوبة والاستحالة، يتمثل في تفضيلهم تفادي الدخول في معركة إظهار الأوزان والحجوم، تاركين الأمر لـ»أم المعارك» القادمة على المجلس السابع عشر.. وأحسب أن الإخوان، حزبا وجماعة، سيخوضون معركتهم الانتخابية المقبلة بما يتخطى «المشاركة» وصولاً إلى «المغالبة» أو ضفاف «المغالبة».. ومن يريد أن يفعل ذلك، عليه أن يحيط تكتيكاته الانتخابية بكثير من القنابل الدخانية وعمليات التمويه، وأحسب أن مقاطعة الانتخابات البلدية، والشروط الخمسة التي عُلّق عليها القرار الأخير، إنما تندرج في هذا السياق أيضاَ.
لقد سُئِلت قبل أيام عن رأيي في المشاركة والمقاطعة، وأجبت الصديق القيادي في الحركة، بأنني أميل لاقتراح المشاركة لا المقاطعة، بل وأنصح بالتدافع والتنافس على كل مقعد، في البلديات والبرلمان، فنحن بحاجة لمعارك انتخابية «مسيسة».. بحاجة لبرلمان سياسي.. بحاجة لحسم الجدل حول الأحجام والأوزان.. فلتكن الانتخابات البرلمانية المقبلة، معركة البرامج والأوزان والتيارات والأحجام، شريطة أن تجري وفق قانون مغاير للقانون القائم أو حتى لمشروع القانون الذي تقدمت به لجنة الحوار الوطني.. شريطة ضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وهي ضمانة لا توفرها سوى مفوضية عليا مستقلة تشرف على الانتخابات وتديرها، من الألف إلى الياء.. فضلاً عن الرقابة المحلية والعربية والدولية الكثيفة على صناديق الاقتراع ومجمل العملية الانتخابية في مختلف مراحلها.