تكميم الافواه لمصلحة من !!!
هناك اصرار غريب عجيب من السادة النواب في المجلس السادس عشر على ترك بصمات قاسية ومؤلمة بحق الحريات الاعلامية والصحفية وبالتالي بحق الوطن والمواطن قبل رحليهم ، ففي الوقت الذي ينفتح العالم بأسرة شعوبا ودولا وأنظمة على فضاءات الحرية الاعلامية والصحفية وينظرون اليها كرافد مهم من روافد التأشير على الاخطاء ومحاسبة الفساد والمفسدين ، يأتي مجلس النواب الموقر ليقر المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد باعتماد الغرامة المالية المغلظة بحق (كل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى احد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أيا من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف دينار ولا تزيد عن (ستين ألف دينار) !!!! ، وهذا يعني ضمنا قناعة أكيدة لدى السادة النواب أن الغرامة المالية الكبيرة ستكون أكثر ردعا وأقوى تأثيرا وأنجع وسيلة من عقوبات السجن السابقة لانها ببساطة ستجعل أي اعلامي أو صحفي أو حتى انسان عادي بسيط يفكر بالتزاماته العائلية ومدى الضرر الذي سيمتد لعائلتة في حال فشل في اثبات ما كتب أو أشاع واضطرارة لدفع الغرامة المقرة بالقانون ، وبمعنى أوضح هناك توجة لمحاربة مثل هذه الفئة بأرزاقهم وأرزاق عيالهم، وهنا مكمن الخطورة و القسوة بالاجراء !!!
منذ لحظة اقرار القانون ، أصبح مطلوبا من الكتاب والصحفيين والاعلاميين تخصيص جزء كبير من وقتهم لدخول دورات متخصصة في جمع الادلة الجرمية المتعلقة بجرائم الفساد والحصول على وثائق الادانة بطريقة أفلام " جيمس بوند " و " المهمة المستحيلة " !! وعليهم مراجعة أية وثائق تقع بين أيديهم وتدقيقها وتمحيصها قبل الاعلان عنها ، لا بل أعتقد أن عليهم استشارة أكثر من محامي محترف للاسترشاد برأية باحتمالية ادانة الشخص أو عدم ادانتة حسب ما هو متوفر من أدلة ، فاذا كانت احتمالية عدم الادانة واحدا بالألف ، فليس من الحكمة المغامرة بالكتابة عن شبهة فساد وبكشف الاوراق والمغامرة بدفع ستين ألف دينار مثلا !!! ثم لماذا لم يفكر السادة النواب بتضمين نفس المادة نصا يشير الى ضرورة مكافأة أي شخص يقدم أدلة دامغة بالفساد تؤدي الى نتائج مضمونة (مئة بالمئة ) بنفس قيمة الغرامة المنصوص بالقانون عليها كنوع من التحفيز لمزيد من الولاء والتعويض في بعض الاحيان تحت مظلة الثواب والعقاب !!!!
نحن نعلم جيدا ما هو الفرق بين الكتابة بقصد التأشير على مواطن الخلل ومكامن الفساد وبين محاولة البعض استغلال هذا المفهوم بقصد تشوية السمعه واغتيال الشخصيات ، فهناك الكثيرون ممن يستغلون المنطقة الرمادية – بين كلمة الحق وبين اشاعة الباطل - لتصفية حسابات شخصية والتأثير على سمعة أناس شرفاء ، لكن هذا المنطق غير الموضوعي في التعامل مع الاحداث ، لا ينبغي أن يكون منطلقا لمزيد من تضييق الحريات وتكميم الافواة ! وأعتقد أن تسريبات ويكيلكس عن العديد من الشخصيات الاردنية ذات النفوذ السياسي لو تم تسريبها أو اشاعتها من أي منبر اعلامي أردني سواء كانت صحيفة أو موقع اخباري الكتروني ، لقامت الدنيا ولم تقعد ، ولاحتاج مالك الصحيفة أو الموقع الاخباري أن يبيع ما لدية من موجودات ( بما فيهم أولاده ) لتغطية الغرامة المالية التي تم اقراها بالقانون الجديد .