شوزوفرينيا اجتماعية

اخبار البلد-

 
هنالك العديد من المتناقضات والشوزوفرينيا الاجتماعية في العديد من الممارسات على الأرض وجلّها تظهر بوضوح في مجتمعاتنا الشرقية، والحديث هنا على سبيل النقد البنّاء لغايات المساهمة في التصويب وتغيير ثقافتنا المجتمعية وليس لغايات جلد الذات لا سمح الله تعالى، حيث أن ذلك يمثل الابيض والاسود في بعض الممارسات الانسانية، والدعوة هنا لانسنة تصرفاتنا والنظر للآخر بعين الاحسان، وهنالك العديد من الأمثلة على بعض هذه الممارسات، وسأتطرّق لبعض منها هنا.
فمثلاً، البعض يدفع الكثير من المال لانجاز برامج تخفيف الوزن وتكون مبرمجة شهرياً أو على دفعات وتكون بسخاء جداً، بيد أن الكثير ممن حولهم لا يجدون قوت يومهم لسد رمقهم وزيادة وزنهم، والدعوة هنا للمواءمة بين الأمور الشخصية والأمور العامة والإنسانية.
البعض يستنجدك للوساطة لاخذ حقهم ويعطوك الجزء الذي يخدم مصلحتهم أي الجزء المليء من الكأس، بيد أنهم يخفون عنك الجزء الاخر الذي حال دون وصولهم للحق الذي يدّعونه، والدعوة هنا للإنصاف والحديث بما لنا وما علينا.
البعض يرمي الاخرين بسهام الاتهام الجزاف وفبركة وإستغابة الكلام وقذف الاساءة وذلك في حال غياب الطرف الآخر، وهذا نوع من الإتهام الجزاف والغيبة والتعدّي على الآخر، بيد أنهم يتناسون أن بيوتهم من زجاج وهنالك الكثير من المآخذ عليهم، والدعوة هنا لإحترام الآخر في حضوره وغيابه وعدم التعدّي على الناس لا بل بناء العلاقة الطيبة معهم.
 البعض يمتلك المال الوفير والنعم الكثيرة، بيد أن أثر النعمة لا يظهر عليهم ولا على المحتاجين من حولهم، فهم بالتالي حراس مال لمن بعدهم من الورثة الذين غالبا لا يستكثرون خيرهم ولا يتصدقون عنهم، والدعوة هنا أن تظهر النعمة عليهم لأن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
البعض يساعد الناس بكل ما أوتي من قوة ووفق إستطاعته ويقف لجانبهم من منطلق إنساني دون مصالح أو إنتظار لمكاسب دنيوية، بيد أنهم لا يستكثرون خيره ويغيبون عنه لعدم شكره ولإنكار الجميل حال تلبية طلبهم، وهذا نوع من جحود النعمة، والدعوة هنا لشكر الله تعالى وشكر من سخّره الله تعالى لتلبية طلبناتهم، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى.
البعض ينادي بإجتثاث الفساد والواسطة والمحسوبية والاقليمية الضيقة وغيرها، بيد أنهم يمارسونها على الارض حال أول إمتحان يخصهم، وربّما يقومون ببناء خِيم لدعم الفاسدين من أقاربهم وبني جلدتهم، والدعوة هنا ليأخذ القانون والعدالة والإنصاف مجراها على كل حالة على حدا.
البعض ينتقد ممارسات المسؤولين وقراراتهم وبجرأة في حال كونهم يشاهدون تصرّفات المسؤولين هؤلاء، بيد أنه حال تعيينهم في أول منصب يبيعون كل القيم والمبادىء ويفكرون في آليات تمديد مدة توليهم المسؤولية، وهذه فعلاً شوزوفرينيا إجتماعية مردّها تحقيق المكاسب لدرء الإنتقاد، والدعوة هنا لنضع أنفسنا مكان الآخرين عند تقييمنا للأمور دوماً.
والقائمة تطول وأعلاه مجرد أمثلة، لكن المطلوب الحد من هذه الممارسات وأنسنة تصرفاتنا والنظر للجانب الاخلاقي للحياة الاجتماعية برمتها، ومطلوب إنصاف الآخر وإحترام رأيه والأخذ بالأسباب دون تجني أو ظلم.
وبصراحة، فإن شوزوفرينيا الاجتماعيات قائمتها ممتدّة ومتشابكة ومردها دوماً غياب الوازع القيمي والاخلاقي والديني والايمان بضرورة توافق القول بالفعل، ومطلوب الحد والقضاء على مثل هكذا تصرفات لتكون إنسانيتنا بخير ولتكون قيم وممارسات مجتمعنا مستمدة من أخلاقياتنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا وموروثنا الحضاري الأصيلة ومتواءمة مع روح العصر.
*وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق