جَلد الآخر
اخبار البلد-
تفشت منذ مدة، وبالذات عندما تعاظمت وسائل التواصل التي أتاحت لمعظم الناس التعبیر عن انطباعاتھم ومشاعرھم
.وآرائھم بیسر وسھولة ودون أدنى شعور بالمسؤولیة، ظاھرة جلد الآخر
ّ ونقصد بجلد الآخر توجیھ النقد واللوم للآخرین على تفشي العدید من الظواھر السلبیة والممارسات غیر الحمیدة
.والمشكلات المجتمعیة الجدیدة أو المستفحلة
بمعنى آخر ھي قیام الفرد بتحمیل الآخرین المسؤولیة عن تلك السلبیات والممارسات والمشكلات، وتبرئة الذات من أیة
.مسؤولیة أو مساءلة
. ّ وكأن ّ الآخرین خط ٌ اؤون والفرد معصوم ٌ عن الخطأ، وكأن الفرد قدیس والآخرین شیاطین
وترتبط ھذه الظاھرة غیر الصحیّة تقلیدیاً بمرض «الإسقاط» والذي تحدث عنھ سیغموند فروید وآخرون منذ مئات
.السنین
فیُ ّعرف الإسقاط على أنھ: «حیلة دفاعیة من الحیل النفسیة اللاشعوریة، وعملیة ھجوم یحمي الفرد بھا نفسھ بإلصاق
«....عیوبھ ونقائصھ ورغباتھ المحرمة أو المستھجنة بالآخرین
.ومع الأسف فإن ھذه الظاھرة منتشرة في مجتمعنا الآن بكثرة، وتجدھا في معظم المواقف الحیاتیة
فترى الواحد منا، على سبیل المثال، یتواسط لكنھ ینتقد الواسطة والمحسوبیة بشدة ویلوم الآخرین والمجتمع علیھا،
وتراه یلقي القمامة في الفضاء العام وینتقد اللامسؤولیة في طرح النفایات، وتراه لا یحترم قوانین السیر عندما یقود
سیارتھ وینتقد فوضى المرور بشدة، وتراه لا یؤدي مسؤولیاتھ في مؤسستھ على أكمل وجھ ویلوم الآخرین والمؤسسة
.على إخفاقاتھا، وتراه یرسب في الامتحان ویلقي باللائمة إما على الامتحان أو على القائمین علیھ، وھكذا دوالیك
.والظاھرة ھنا ھي نوع من الازدواجیة الصارخة في المعاییر
ّ ولعل المشكلة تُعزى أكثر ما تُعزى إلى خلل في التنشئة، فنادراً ما تُربّي الأسرة عندنا أبناءھا وبناتھا على تحمل
المسؤولیة والاعتراف بالخطأ والسعي لتصحیحھ. لا بل إن الآباء والأمھات، في كثیر من الأحیان، یمارسون سلوك
. ّ الإسقاط ذاتھ أمام أطفالھم، فیقلدھم الأطفال وتترسخ ھذه العادة الذمیمة
وھي أحیاناً، على نحو معاكس، ناتجة عن تجنّي الأسرة على أفرادھا بلومھم وتوبیخھھم على أمر لیس لھم فیھ أي
.ذنب، فیكبر الأطفال لیمارسوا الممارسة الظالمة ذاتھا تجاه الآخرین
.وذات الأمر یحصل في المدرسة وفي مؤسسات مجتمعیة أخرى
.ومن ھنا استفحلت الظاھرة وأصبحت مشكلة مستعصیة
ّ وبعد، فإن ظاھرة جلد الذات ھي ظاھرة غایة في السلبیة والسوء، ولا بد من معالجتھا معالجة ناجحة ناجعة، لأنھا من
.أھم عوامل التأزیم والتشویش والشرذمة في المجتمع، ومن أھم ما یشدنا للخلف
ُ ، ویبدأ أول ما یبدأ بالاعتراف بالمشكلة ثم دراسة مسبباتھا دراسة دقیقة، ثم تنسیق الجھود بین
والعلاج لیس أمراً سھلاً
ومجتمعیّاً، على أسس صحیّة سلیمة قوامھا
ومدرسیا
جمیع الجھات المعنیة للتركیز علیھا والبدء بتنشئة الجیل، أسریا تحمیل الفرد المسؤولیة والمساءلة عن كل ّ ما ھو معني بالقیام بھ، ومحاسبتھ على ما یتصل بھ ھو لا بغیرة
ّ ھ مسؤولیاتھ ھما من أھم روافع المجتمع الصحي السلیم؛ والعكس كارثي كما نرى بأعیننا
.فالاعتماد على الذات وتحمل.