حين يكون سَلاماً بلا خيل..!؟

اخبار البلد-

 
على الرغم من بعض ردود الفعل الإیجابیة، التي جاءت رفضاً وردّاً على تصریحات وزیر الخارجیة الأمیركیة) ّ ، حول ضم مستوطنات الضفة الغربیة، وكذلك الخلافات غیر المسبوقة التي ظھرت على بومبیو، دولیاً وأوروبیاً ّ الساحة السیاسیة الإسرائیلیة، كل ّ ذلك لا أظن ّ أنھ سیؤخ ّ ر أو یعطل التفكیر السیاسي الإسرائیلي في القرارات المتّخذة ّ وتنفیذھا، من یھودیة الدولة إلى ضم الأراضي في الضفة والغور الفلسطینیین، بل وسیكون من الصعب على أي إدارة ّ أمیركیة، أو حكومة إسرائیلیة، التراجع بسھولة عما تم اتخاذه من إجراءات تھویدیة، سواء كان ذلك أمیركیاً أم إسرائیلیاً. فلا یَ ّغرن أحدٌ ّ أن مشاریع إسرائیل الحالیة ستقف عند ما ھو ظاھر منھا حالیاً فحسب، فالمشروع الصھیوني ّ الاستراتیجي ھو أخطر مما یظن كثیرون، وخصوصاً علینا نحن في الوطن الأردني، الذي ما زالوا یرونھ المرحلة .(التالیة للانقضاض علیھ، بعد أن ابتلعوا الوطن العربي الفلسطیني أو كادوا لقد حدّد مجلس الوزراء، بعد نقاش وحوارات مستفیضة، أسباب وخلفیة الموافقة على الذھاب إلى (مفاوضات تسویة :مدرید)، في العام 1991 ،في (دیباجة ذلك القرار)، وأقرت بأنّھا: جاءت نتیجة للمتغیّرات التي حدثت على الساحات الدولیة والإقلیمیة والعربیة، والمستجدّات التي شھدتھا المنطقة بعد حرب - .الخلیج .(...وتطورات القضیة الفلسطینیة (الخ - .وتأكیداً لدور الأردن القومي الثابت في دعم الشعب الفلسطیني - .وإدراكاً لحقائق المرحلة الاستراتیجیة وطبیعة موازین القوى الدولیة والإقلیمیة). بالإضافة إلى تحدید الأسس - .استندت إلیھا تلك الموافقة، والتي كان أبرزھا؛ (حمایة مصالح الأردن العلیا، دفاعاً عن أمنھ ومستقبل أبنائھ - ُ لأبعاد المسؤولیة وأمانة الحكم - .(..وإدراكاً (و(التزام الأردن القومي والوطني، وإصراره الدائم على تطبیق الشرعیة الدولیة من أجل سلام عادل ودائم وشامل - و(تأمین الانسحاب الإسرائیلي الشامل من الأراضي الفلسطینیة والأراضي العربیة الأخرى المحتلة عام 1967 ،بما - .(..فیھا القدس الشریف ّ وعلى الرغم من أن مفاوضات مدرید قد انتھت بإعلان مبادئ أوسلو (أیلول 1993 ،(واتفاقیة وادي عربة (تشرین أول 1994 ،( ّ فإن المصالح الوطنیة الأردنیة العلیا، والاستراتیجیة، التي حدّدھا قرار الموافقة على الذھاب إلى مسار ّ التسویة، تبقى فوق كل ّ الاتفاقیات والمعاھدات، ومھما كانت تسمیاتھا، ذلك أن كل الاتفاقیات الموقعة تظل مرھونة بما ّ یتم ممارستھ من سیاسات على الأرض، من قِبَ ِل ما یأتي من سلطات وحكومات في بلدان الأطراف التي وافقت على .تسویة حالات العداء بینھا وھنا لا بدّ من توضیح مضامین تلك المصلحة الوطنیة الأردنیة العلیا، في العلاقة مع إسرائیل؛ فتلك المصلحة الأردنیة مشتبكة عضویاً ومصیریاً مع مآلات القضیة الفلسطینیة، أو ما اتّ ّ فق على تأجیلھ وتسمیتھ (قضایا الحل النھائي) في الجانب الفلسطیني والإسرائیلي. فالقدس، والمستوطنات، والحدود النھائیة للدولة الفلسطینیة المأمولة، ومصیر اللاجئین، كلّھا تقع في صلب المصلحة الوطنیة والاستراتیجیة العلیا للشعب والدولة الأردنیة، وھي لیست ترفاً، أو شعاراً عاطفیاً. وھي أیضاً المضامین الفعلیة، التي قامت إسرائیل بتعطیلھا قسراً، منعاً لتطویر التسویات الموقعة من ّ الوصول إلى مرتبة السلام الذي تنشده التسویات، كل التسویات؛ وكل تلك العناوین نحن في الأردن شركاء فیھا، . ّ والقدس ھي الشق الفلسطیني من قضایا التسویة النھائیة بعد نحو ثلاثة عقود على انطلاق ((تسویة مدرید)) الأمیركیة، ھا نحن نعود إلى الاختلاف على جوھر الصراع في !.. ّ المنطقة؛ الأرض، ومواردھا، وسكانھا من البشر، ما یعني فشلاً ذریعاً في فكرة التسویة ذاتھا والیوم، وعشیة التمھید للإخفاق، تھیئةً للانتقال الى مرحلة أخرى من مراحل ((الإدارة بالكوارث))، یجري التھلیل والتسریب لمبادرات أخرى، وبمسمیات جدیدة على ھیئة صفقات..! فنحن نعرف أن التھوید قد بلغ ذُراه، في القدس ّ ى من أراضي الضفة الغربیة، وھو تطبیق فعلي على الأرض لما أعلن عن والجولان، ویستعدُّ للإطباق على ما تبقّ .تسمیتھ بـ(صفقة القرن)، أي تطبیق مضامین تلك الصفقة قسراً قبل الإعلان عنھا رسمیاً ُ آخر، من الأفكار والقیم السیاسیة والدبلوماسیة الغربیة، ینھار أیضاً بشدّةٍ وعنف. ّ بموازاة ذلك، فإن عالماً مھیمناً فتواطؤ الولایات المتحدة الأمیركیة وحلفائھا، بكل ما یتبدّ ُّ ى فیھ الیوم من انتھازیة، یدق ُ ویطرق ٍ بصخب كل جدران !.. ّ القیم الإنسانیة، التي راكمتھا الأمم المتحضرة، في اجتماعھا المعاصر ّ أما نحن في الأردن، فلیس أمامنا سوى الانحكام إلى واقع مصالحنا ومصیرنا، الذي یُحتّم علینا بضرورة اشتباكنا ّ الفعلي ّ والسیاسي ّ ، وبصرف النظر عن حالة الضعف الفلسطینیة، مع كل مفردة إجرائیة وسیاسیة تقوم بھا إسرائیل في َ ة، ومن دون ممارسة الجلد الدائم للذات الوطنیة الأردنیة .الأرض الفلسطینیة المحتلّ ولكن ھل نستطیع مواجھة تلك التحدیات المصیریة وحدنا..؟ أسارع إلى القول: أنّ ّ ھ قد یصعب الجزم بتلك الاستطاعة الآن؛ ذلك أن َ القدرة على تلك الاستطاعة مرھونةٌ بإعادة تحصین الدولة والمجتمع وتَحدیثھما، لمواجھة القادم الأخطر، وبالبدء العاجل بجرعة جریئة من الإصلاح؛ جرأةٌ تُعلي ّ في الخطاب السیاسي العربي الداخلي ّ العام. ذلك أن َ نموذج بِ ِ نیة ُ أن جرى استھلاكھُ كثیراً ِ من شأن ِ المفھوم ِ وقیمتھ، بعدَ ِ تكوین ِ الدولة والنظام السیاسي، في بلادنا مختلف كثیراً، وھو ما تحدثت عنھ سابقاً بضرورة الفصل بین الدولة ٌ ، في منطقتنا، ھما شيء َ واحد حتى اللحظة، ولا فصل ّ بینھما إلا ُ والسلطة. فالنظام ُّ السیاسي (أي السلطةُ) والدولةُ ّ حقیقي، ینتھي من الفردیة، وینتقل إلى المؤسسیة والدیمقراطیة، والتنمیة السیاسیة الفعلیة، والتأسیس الحقیقي بإصلاحٍ ّ لدولة المواطنة، وسیادة القانون الفعلیة. فبھذا، وبھذا وحده، نستطیع مجابھة كل ّ المخاطر القادمة؛ ذلك أن ما قبلناه من تسویات، في ظروف بالغة القسوة، لا ینبغي أن نسمح لھ بأن یكون قدراً لَنا ولأجیالنا القادمة؛ فإذا كان السلام بلا خیل عصریة، قوامھا تطویر فكرة ِ خیولنا، بمفاھیمَ واحداً من مقادیر مراحلنا السابقة، فإننا نستطیع الیوم إعادة إسراجِ ِ الإصلاح، وإعادة المھابة والجدّ ِیة إلى مضامینھا العملیة. إذ لیس أمامنا، في وجھ ھذا الزخم الھائل، من المخاطر والمتغییرات السیاسیة والعلمیة والاقتصادیة، إلا أن نفكر بجدیة في إعادة بناء الدولة الأردنیة الحدیثة، القائمة على ٌ العلم والتفكیر الحر. إذ لم یعد في عالم الیوم مكان ٍ لأمة ٍ أو لجماعة تعیش على فُتات الأمم الأخرى. ولیس لنا سوى ِ ِ نا التاریخي الأكید ٌ في بلادنا، ومھما بلغت الضغوط. فھذا وطن ٌّ أردني ٌ راسخ، ِ الاعتماد ِ على أنفسنا وقدرات شعبِنا، وحقّ عنھُ ٍ بكل ما یملك من طاقات ٍ وإمكانات .وشعبُھُ ّ موحدٌ، ومستعدٌّ ِ للتضحیة ْ ، إن ُ اقتضت ضرورات الدفاع.