هل توجد عشوائيات في الأردن؟!



بحسب إحدى الخرائط التي صدرت عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمستوطنات البشرية، فإن نسبة من يعيشون في العشوائيات يقع ضمن الشريحة نفسها مع مصر والمغرب وتركيا، ما بين 10% و 20% من إجمالي السكان، والمشكلة أنه لا توجد في الأردن عشوائيات أو عشوائيون، فكل التجمعات السكانية في المملكة هي أصلا منظمة وتعمل بداخلها الدولة وتستطيع أن تقدم خدماتها لسكانها بكفاءة معقولة.

هل يصنف الهابيتات، وهو الاسم المختصر لهذا البرنامج، المخيمات ضمن المفهوم العشوائي، علما بأن مستوى المعيشة في أي من المخيمات الأردنية يتفوق على المستوى المعيشي في أي عشوائية في مصر أو المغرب، كما أنها ليست في الأساس مناطق مهملة، وإنما تحظى بحصة معقولة من الخدمات ويطبق فيها القانون، وعدا عن دور الأونروا فإن لجان المخيمات تقوم أيضا بمجموعة من الأدوار الاقتصادية والاجتماعية.

أما جيوب الفقر فهي بعيدة عن المفهوم العشوائي، صحيح أنها مناطق تحتاج إلى جرعات تنموية كبيرة، إلا أنها ليست على شاكلة عشوائيات مصر التي تفتقد لأساسيات الحياة، جيوب الفقر مخدومة بالكامل من المياه والكهرباء والمدارس والمراكز الصحية وحتى الأندية الثقافية، فأي معنى عشوائي يشتمله ذلك؟

كما أن الايحاء الذي يلقيه وضع الأردن في هذا التصنيف يعني أن المناطق العشوائية المتخيلة هي بؤر للجريمة والعنف، والحقيقة أنه لم يتم تسجيل أي مؤشرات تضع أي من المخيمات أو جيوب الفقر تحديدا وتربطها بالجريمة، وكثير من الجريمة في الأردن مستوردة وليست منتجة محليا.

بعض المناطق البعيدة في البادية التي تشتمل على مجموعة صغيرة من الخيام والبيوت ليست أيضا عشوائية، فهي تعبر عن نمط حياة،ولو افترضنا عشوائيتها، فإنها لا تمثل 10% ولا 1% ولا 0.1% من سكان الأردن.

الإحصائيات مهمة لأي عمل تنموي، والأهم هو التعريفات الدقيقة، التحديد لطبيعة المشكلة ومداها، وفي حالة الفشل في ذلك، فإن أي عمل أو تحرك سيكون في الاتجاه الخطأ، ويبدو أن المنظمة اعتبرت أن العشوائيات في الأردن موجودة بنفس الطريقة وضمن نفس الشروط كما هي في مصر، وبالتالي فإنها ستحتاج لتأهيل شامل للبنى التحتية المؤهلة أصلا، وهذا غير صحيح والمطلوب في الأردن هو دعم فرص العمل في هذه المناطق، لتجنب هجرة لاحقة منها تجاه المدن الرئيسية وخاصة عمان، وبالتالي الاسهام في تكوين مجتمعات عشوائية.

البرامج الدولية ترغب دائما في البحث عن أسباب لاستمرارها وعملها، وجزء كبير من الدعم المخصص لها يذهب لكوادر الموظفين والخبراء والمستشارين، وليس لتنفيذ أعمال حقيقية، فعلى الأقل يجب أن تنتبه هذه البرامج لدقة معلوماتها وصحة توجهاتها.