الشعب ... ماذا يريد?
هذا هو السؤال الكبير في الاردن اليوم? ماذا يريد الشعب ..! الدولة تحاول الاجابة برفع شعار الاصلاح الشامل »الديمقراطية الاردنية«. والمعارضة الحزبية والشبابية رفعت منذ البداية شعار »اصلاح النظام«. ومع ان الاصلاح هو القاسم المشترك بين الطرفين, إلا ان اغلبية الاردنيين لم تُعط الفرصة لمعرفة الفرق بين »الاصلاحَيْن« ولهذا فان كل ما يعتبر انجازا اصلاحيا بنظر الدولة, يتحول الى نقطة خلاف اضافية في اجندة المعارضة.
إن التقيت الاردني وتحدثت اليه في شؤون الساعة, لا تسمع غير النقد, فتخرج بانطباع بأن الجميع »معارضون«, لكنك ان دققت اكثر فيما تسمع, لا تجد من هذه المعارضة الشعبية ما هو ليس خارج قدرة الدولة اذا حولت شعارها بالاصلاح الشامل الى برنامج عمل وطني يثق به الاردنيون ويلتفون حوله.
كل ما تحتاجه الدولة, ان تُشفع ارادة الاصلاح بالعزيمة على تنفيذه, وهنا تأتي أهمية ادوات انجازه. فالشعب يريد ان يكون الاصلاح حقيقيا لأنه جرب واختبر مسؤولين يفهمون من الاصلاح فكرة واحدة, هي تجاهل الشعب. فتصرفاتهم وقراراتهم واعمالهم قامت على هذه الفكرة, فكانت تراجعات واخطاء, وكان فساد غير قليل. وكل هذا ادى الى فقدان المواطن الثقة بنفسه, مثلما فقدها بالحكومات.
خلال السنوات الماضية, كانت المصيبة في ان عددا لا يُستهان به ممن تَصَدّر المسؤولية, وكانوا محاطين بمحبة الناس في البداية, عندما عقدوا عليهم الآمال, لكن اداؤهم كان محبطا, وحدثت سلسلة لا تنتهي من الخيبات, مما اشاع اليأس من الاصلاح بين الاردنيين وأضعف معنوياتهم. فعمت حالة الشك والريبة وفقدان الثقة بالمسؤول, فدفع الثمن كل من جلس على كرسي المسؤولية حتى ذهب الصالح في عروى الطالح والفاسد.
لا يوجد اردني سعيد باستمرار هذا الخراب المعنوي الطاغي على روح العلاقة بين الدولة وبين الشعب. ومن المؤلم ان ترى المسؤولين عن هذا الخراب يقدمون انفسهم للناس بأنهم الغيورون على الاصلاح المنافحون عنه الزاعمون بأنهم القادرون على قيادة البلد الى ساحة الديمقراطية!
الشعب في غالبيته العظمى لا ينتمي الى احزاب معارضة, ولا في وارد التصفيق لرجال يسعون الى الزعامة. فالاردنيون كانوا يفاخرون بوطنهم ودولتهم, وهم في المحافظات والمدن مع الملك, وفي المعارضة مع الملك, لكنهم لا يرتجون اصلاحا ولن يثقوا بكل ما أنجز من ملفاته ومشاريع قوانينه ان لم يروا رجال حكم, يعترفون بأن الشعب موجود وانه مصدر السلطات. وبان افكارهم واعمالهم ومصالحهم هي مكرسة لخدمة الوطن والمجتمع بكل صدق وشفافية.
الشعب الاردني مثل غيره من الشعوب يريد رؤية وزراء ومسؤولين يعرفون ان المساءلة والمحاسبة حق. وبان المراكز العليا ليست وظيفة »اغتراب« في شركة عالمية يقتنصونها فرصة للجاه والثراء, انما واجب وطني الغاية منه توفير الكرامة والحرية والخبز لجميع الاردنيين.
الشعب لا يريد اولئك الشُّطار الاذكياء الذين استعانوا بالدهاء والرياء لجعل الكراسي واسطة لجني الغنائم, فيما مئات الآلاف يعانون من الفقر والبطالة وغلاء المعيشة. فالشعب يريد اقتلاع الفساد والفاسدين, وانهاء دورهم حتى من لَصَقَت به شبهات فساد اداري ومالي وسياسي.
أنا وأنت جميعنا, اردنيون, تُوحّدنا الاهداف وما ننشده هو تغيير في الوجوه والاساليب, وانا وانت, نريد اصلاح النظام ومع النظام, للانتقال به الى مرحلة الديمقراطية, ليس بالتدمير والهدم, لكن كي نقيم معا, دولة وحكومات ومعارضات, صروح نهضة جديدة الى جانب ما بناه الآباء والاجداد وما تفتخر به الاجيال. فكلنا للوطن, والوطن لنا جميعا, وكل وطنية مجبولة بالبغضاء واثارة النعرات هي مريضة وغريبة فالاصلاح يكون مدمرا للبلاد والعباد ان اقترن بهذه النعرات.