حكواتي زمان وحكواتي «الفيسبوك»

اخبار البلد-

 
الحكواتي أو الراوي أو القصاص شخص امتهن سرد القصص في المنازل والمقاهي والطرقات، كان يحتشد الناس حوله قديما، 
عمل الحكواتي يمتد على فترتين: بين صلاتي المغرب والعشاء وهي فترة قصيرة لا تزيد على الساعة، وبعد صلاة العشاء وتمتد أحيانا حتى ساعات الفجر الأولى. 
كان يقف الحكواتي مستعينا بكتاب يصطحبه معه بشكل دائم، ويبدأ سرد الرواية أو الحكاية التي تدور جميعها على البطولة والشجاعة والشرف والمروءة ونصرة المظلوم. 
وفي نهاية كل حكاية لا بد أن ينتصر الخير الذي يمثله بطل الرواية. 
وكان الحكواتي يلجأ إلى تشويق المستمعين لمعرفة نهاية الحكاية، وإذا ما طالت الحكاية لليال وأيام، فإنه كان يحرص على أن تنتهي أحداث القصة كل ليلة بموقف متأزم والبطل في مأزق حتى يحمس المتلقي ويجعله متشوقا لسماع بقية الأحداث وكيف سيخلص البطل نفسه من المأزق.
كان لا يكتفي بسرد أحداث القصة بتفاعل دائم مع جمهوره، بل يدفعه الحماس لأن يجسد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت.
في مرحلة لاحقة مع دخول التلفزيون تحول المسلسل التلفزيوني والبرامح الحوارية  إلى حكواتي من نوع مختلف قليلا يدخل البيوت عنوة ويجعل الأسرة تتسمر أمام شاشة التلفزيون، وفي فترة العصر الذهبي للكاسيت كان هناك حكواتية من نمط جديد، حكواتية الكاسيت عبر الخطب والمحاضرات وكان نجمها بلا منازع الشيخ عبدالحميد كشك صاحب مقولة: «دعونا الله بإمام عادل فطلع لنا عادل إمام».
وهي فترة تصاعدت بشكل كبير بعد الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وظهور العديد من التيارات الإسلامية.
وفي مرحلة الفضائيات دخل حكواتية من نمط جديد مثل: عمرو خالد ومريم نور وإبراهيم الفقي وغيرهم. حكواتيون دمجوا التاريخ بالفلسفة وبالدين وخاطبوا قطاعا كبيرا من الناس بلغة بسيطة. 
وفي عصر مواقع التواصل الاجتماعي تقدم الصفوف حكواتية «البث المباشر»، على مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات، جمل إنشائية ومناكفات ومترادفات لا تنتهي، جملة مبتدأ بلا خبر، اتهامات بلا أدلة قوامها القيل والقال، وذكر وقائع بلا شهود، وادعاء بطولات لا تعرف أين انتصر فيها أصحابها.
كما ظهرت حكاوى الإذاعات الذي يتحفنا صباح كل يوم بقصص وحكايات في غالبها تملق وتزلف وتزوير للحقائق إلا من رحم ربي.
الحكاوى هذه الأيام لا يقرأ ولا ما يحزنون! إنما يعتمد على الإشاعات وعلى القص والصق، او حسب جماعة التكنولوجيا: كوبي وبيست، نسخ ولصق، حكاوي جاهل، مقلد، متعطش للظهور، يبحث عن النجومية الزائفة، على عكس حكواتي زمان المثقف والعارف بالتاريخ وبكتب التراث.
وفي نهاية هو حكواتي «تاع زمان».. سيأتي مكانه حكواتي من نمط جديد ربما مصنوع من خلايا جذاعية أو الذكاء الاصطناعي (الربوت).
أحترم بعض «حكاوي» هذه الأيام، وهم قليل جدا جدا جدا.