عن الفساد والاستبداد..

اخبار البلد-

 
الفساد ظاھرة قدیمة متجددة بل انھا مستمرة ومتنامیة ما لم تجد من یكافحھا ویمنع تغولھا على المجتمع ومؤسساتھ. وقد تواترت اخبارھا منذ القدم في الكتب المقدسة لدى مختلف الدیانات السماویة، واخبرنا القرآن الكریم بخاصة عن .الشعوب والأمم القدیمة عاد وثمود وارم ذات العماد وفرعون ذي الأوتاد، وما فعل الله بھم جراء فسادھم وطغیانھم وھذه الظاھرة الاجتماعیة السلبیة ترتبط دائما بالظلم والاستبداد الذي یشجع علیھا ویحمیھا وتزدھر في اجوائھ. ومعھا تغیب العدالة وتنعدم المساواة وتضیع الحقوق وتختل الواجبات. وھذا ما نبھ الیھ العدید من المفكرین والفلاسفة .والمصلحین والمؤرخین على مر العصور والظلم ومعھ بالطبع الاستبداد والفساد مؤذن بخراب العمران كما قال ابن خلدون، وخراب العمران مصطلح یعني زوال الحضارات وانھیار الدول. وھذا مؤشر على ان الترابط بین ھذا الثالوث «غیر المقدس» ھو ترابط السبب .بالنتیجة إن وجود ھذه الظاھرة او غیابھا یفصح عن طبیعة الحكم والنظام السیاسي والاجتماعي والاقتصادي القائم في أي بلد من البلدان. ولھذا یكون الإصلاح السیاسي والاقتصادي والاجتماعي ضروریا وواجبا حتى لا تنھار الدولة ویتزعزع .نظامھا ویأتي نذیر زوالھا والإصلاح الواجب والملزم یتطلب معالجة أساسیة وحاسمة وعاجلة، لھذا الداء الذي یصیب اسس الدولة ویھدد .وجودھا وكیانھا. وبغیر الإصلاح الحقیقي تصبح «البیعة» مفقودة والشرعیة مغیبة والعقد الإجتماعي باطلا وھذا الترابط المنطقي المحكم یعطي الشعب الذي ھو مصدر السلطات وصاحبھا جمیعا، حق الثورة او الانتفاض، .لیأخذ زمام المبادرة ویستعید القرار السیاسي، وفقا لكل النظم الحدیثة القائمة على «الدیمقراطیة» وحقوق الإنسان وھنا یتوجب ان تكون مكافحة الفساد اولویة عاجلة، لیكون الإصلاح حقیقیا ومنتجا. ولعل المشكلة الأولى في بلداننا العربیة تكمن في اسلوب المعالجة ومصداقیتھا وشفافیتھا ووضوحھا. لأنھا تفشل حین تكون انتقائیة او منحازة او جزئیة او جھویة وتمییزیة. حیث تصبح قاصرة وغیر مؤثرة.. وتظل ھذه الأمراض تنخر في عصب المجتمع ومؤسساتھ وھیئاتھ وتشكیلاتھ السیاسیة والاجتماعیة. والأھم من ھذا كلھ أن المعالجة المتكاملة والشاملة والحقیقیة تتطلب أولاً إرادة سیاسیة، وإدارة حازمة وقوانین صادقة وقضاء عادلاً ومستقلاً وسرعة في إصدار الأحكام، وفي .تنفیذھا إن الدیموقراطیة تقوم على وجود سلطات ثلاث: تنفیذیة وتشریعیة وقضائیة، وھي مستقلة تماماً عن بعضھا لضمان العدالة وتحقیق المساواة، وإعلاء شأن تكافؤ الفرص. وكلھا لا تكتمل دون التعاون بین ھذه السلطات الثلاث، رغم استقلالھا، لیأتي الأداء منسجماً مع متطلبات الدولة العصریة والمدنیة، بعیداً عن الطائفیة والتمییز العرقي أو الجھوي، ولیكون جمیع المواطنین سواء أمام القانون في الحقوق والواجبات تحت مظلة الحكم الرشید والحاكم الصالح وفي ظل .منظومة أخلاقیة ضابطة .وتبقى المسافة شاسعة بین عدالة السماء وسعي أھل الأرض إلى الحق والعدل لإعلاء شأن الخیر والجمال.