أزمة لبنان والمنطقة

اخبار البلد-

ينذر استمرار أزمة المجتمع في لبنان بالقاء ظلال سوداء لا على مستقبل هذه البلاد لوحدها، وإنما على نظام العيش المشترك التاريخي في منطقة الهلال الخصيب برمتها. نظام راق لا مثيل له في أي من مجتمعات العالم أجمع، يجمع ما بين الولاء السياسي للدولة من جميع مكونات المجتمع المدني مع رغبة هذه المكونات أن تحتفظ بقيم روحية أو اجتماعية أو اثنية معينة، نظام نابع من صلب الحضارة العربية الإسلامية، جذوره في القرآن الكريم الذي سمح بالاختلاف واعترف به لأهل الكتاب وغيرهم.
مثل هذا النظام مهدد في لبنان بسبب تمسك الطبقة الحاكمة في كل من مكونات المجتمع، هناك بكراسيها وقصر نظرها فيما تفعله لا للبنان وحده وإنما لما قد يفضي به الأمر من انعكاس على المنطقة بأسرها.
واضح جداً أن القيادات الملية الحالية غير قادرة ولا راغبة على طرح حلول ولا على تخطي الأسوار التي وضعتها هي حول نفسها. فالأزمة هناك أكبر وأوسع من مجرد أزمة حكم سببها طبقة فاسدة ترفض التخلي عن مكتسباتها. من الناحية السياسية مثلاً لا بد من التحسب لتربص دولٍ وما الذي قد تفعله في حال انهيار نظام العيش المشترك بالكامل. إسرائيل من جهة وتركيا من جهة أخرى، وإيران وما الذي تسعى له.
أما عرب اليوم فقد انقلب بعضهم إلى عرب تركيا أو إيران أو حتى إسرائيل.
المسؤولية الحقة تقع على القيادات الكبرى في لبنان. وهل يكفي مثلاً أن يقوم سيادة البطريرك الماروني الراعي بالقول بأن الأزمة ليست طائفية. ولكن يا سيادة البطريرك وماذا لو تدهور الأمر وانزلقت البلاد إلى حرب طائفية أهلية بشعة؟ أليس من الأجدى دعوة جميع رؤساء الطوائف من مسلمين، سنة وشيعة ودروز ومسيحيين من كافة الأطياف إلى اجتماع مفتوح يدور البحث فيه عن كيفية الخروج من الأزمة. والأهم، وكيف اقتلاع القيادات الملية والطبقة الفاسدة الحاكمة التي ترفض التنازل عن أي ذرة من نفوذها وامتيازاتها.
أليس لبنان أكبر وأهم من هذه القيادات التي ما زالت جاثمة على صدور مللها منذ أربعينيات القرن الماضي. لا بد من التفكير بوضع الوسائل والآليات التي تضمن تداول السلطة داخل كل مكون اجتماعي.
ثم ماذا عن حزب الله وهل يكفي أن يصرح الشيخ حسن نصر الله بداية الأزمة وسحب جمهوره ومليشياته من ساحات الاحتجاج. هل يكفي هذه لحل الأزمة؟
واضح أن هوية لبنانية جامعة برزت في أعقاب الحرب الأهلية، 1975-1990: هوية سياسية تعتز بلبنان وتفتخر به مع الحفاظ على الاختلاف والحفاظ على التعددية بحيث يحتفظ المسلم أو المسيحي أو الدرزي بعاداته ولغته وتقاليده ولباسه ومأكله ومشربه داخل منزله مع الولاء الكامل للدولة. حقيقة الأمر أن الشارع اللبناني سبق قياداته برفضه للطبقة الحاكمة الفاسدة مع رغبته في الحفاظ على التعددية.
المسألة إذن لا تهم لبنان وحده لما قد تنعكس على نظام العيش المشترك في المنطقة. التجربة اللبنانية قريبة جداً من التجربة الأردنية في الحفاظ على التعددية مع الولاء الكامل للدولة. نظام سمح باستمرار التعددية والسلام الاجتماعي وعلينا جميعاً العمل على البحث عن الوسائل الكفيلة بالحفاظ عليه. لبنان كالأردن يقف مثالاً رائعاً لدول عربية تقف بندية وكبرياء سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وغير ذلك أمام صلف وعنصرية إسرائيل التي تدعي الديمقراطية والانفتاح وتمارس عكس ذلك تماماً.