قرارات إسرائيلية بتوقيع أميركي

اخبار البلد-

 

كل ذلك ما كان ليكون بهذا المستوى من الإذلال، لولا اتفاقية اوسلو وتداعياتها. لقد وفرت لإسرائيل أكثر مما أعطت أو وفرت أميركا لها. أنظر إلى منطقة (C) من أرض الضفة تجد أنها تساوي 72 % منها. وهي في الاتفاقية بيد إسرائيل إدارياً وأمنياً. ثم أنظر إلى منطقة (B) التي تبلغ 25 % تجد أنها بيد إسرائيل أمنيا. وأمنيا تعني تحت سيطرة إسرائيل كليا، وبالتالي تسهيل اغتصاب المستوطنين لها.
لولا اوسلو ما جرؤ بلد أو فرد عربي على القفز عن القضية إلى الحضن الإسرائيلي كما هو حاصل ومتواصل بعدها. صارت اوسلو ممسحة أرجل لمن يريد أن يصل، بحجة "أننا لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين” الذين اعترفوا بإسرائيل. لا يهم
– قصيرو النظر وعديمو البصر هؤلاء– استراتيجية من الفرات إلى النيل الإسرائيلية، التي تعني أنهم وأرضهم واقعون في مخططها.
لا يرى العرب القافزون عن القضية التي أوصلوها إلى الحضيض بنكبة 1948 ثم بهزيمة 1967 الساحقة أبعد من أنوفهم، هذا المصير الممكن والمحتمل بفرقتهم وضعفهم، ولا يفكرون بمصير ابنائهم وبناتهم وأحفادهم.
كنت في الماضي وما أزال في خلاف شديد مع كل مدع أن يد أميركا فوق يد إسرائيل، بقيت ادعي من الملاحظات والأمثلة والدراسات والسياسيات والقرارات ان العكس هو الصحيح، وان يد إسرائيل فوق يد أميركا، وأنها تستطيع أن تكسرها. وعليه ألفت كتاباً في ذلك بعنوان: أميركا الإسرائيلية وإسرائيل الأميركية، لأثبته. وقد تبين لي منها أن أميركا أكثر إسرائيلية من إسرائيل أميركية، وانه عندما تنظر أميركا في المرآة ترى إسرائيل. أما عندما تنظر إسرائيل فيها فترى إسرائيل. وان كلاً من ترامب وبومبيو وبقية أعضاء الكونغرس مجرد صوت لسيده الإسرائيلي يصل به إلى الرئاسة أو إلى الكونغرس.
أما الدليل الأول عليه فمزايدة كل ساع للرئاسة أو رئيس أو لعضوية أحد المجلسين في الكونغرس ليفوز أو يبقى، على الرئيس أو العضو السابق في دعم إسرائيل، والتفنن في ذلك، لأن كلا منهم يرى أنه بحاجة ماسة إلى دعمهم الإعلامي والمالي والانتخابي.
الدليل الثاني، فهو التنظيم. إن اليهود في أميركا والعالم كله منظمون في شبكات تجعلهم قوة موحدّة، بينما عامة الشعب الأميركي داير على راسه. الكل يعتقد أنه "إذا غضبت عليك بنو يهوذا: حسبت الغرب كلهم غضابا”.
أما الدليل على هذا وذاك فلجوء دول كثيرة في العالم وحتى الصين، وروسيا، والهند، إلى إسرائيل للوصول إلى قلب أميركا ورضاها.
لكننا لو فرضنا جدلا أن الأمر بالعكس أي أن يد أميركا فوق يد إسرائيل، فلماذا يرغـــــب رئيــــس أميركي – أو غيره – في لي ذراع إسرائيل من أجل الفلسطينيين والعرب. إنه يلاحظ أنهم اشبه بكومة من الرمال التي تذروها الرياح: ها نحن ننقل سفارتنا إلى القدس فماذا فعلوا؟ ها نحن ننسحب من تمويل وكالة الغوث فماذا فعلوا؟ وها نحن نشرعن ضم الجولان إلى إسرائيل فماذا فعلوا؟ وها نحن نشرعن المستوطنات فماذا سيفعلون؟
ويتفاخر اليهود الصهاينة في إسرائيل وخارجها بهذا التأييد الفريد غير مدركين أنهم بغطرستهم وعدم جلوسهم للحق والسلام والعدل يقامرون بمصيرهم. لا يرون مصير العرب والمسلمين في الأندلس الذين طردوا منها بعد ثمانمائة عام: لماذا؟ لأن البحر أو المحيط الأوروبي لم يهضمهم كنبتة غريبة فلفظهم. وكذلك لفظ المحيط العربي والمسلم الصليبيين كنبتة غريبة بعد مائتي سنة من الغطرسة. وكذلك فعل المحيط الأفريقي بالبيض –النبتة الغريبة – في روديسيا وجنوب أفريقيا.
يعتقد اليهود الصهاينة وتابعوهم المنتشون بقرارات ترامب أنها وإن أدت إلى قيام دولة واحدة الا أن الأكثرية اليهودية ستبقى قائمة ودائمة بدون قطاع غزة، غير مدركين أنها قد تكون أكثر الطرق إلى نهايتها، وأن مصيرها لن يختلف عن مصير أولئك الذين ذكرنا. أو يظنون أنهم أذكى من التاريخ، وأنهم لن يكرروه؟! ويلهم!! إنهم مجرد جزيرة صغيرة أو نبتة غريبة في بحر عربي، ومحيط مسلم سيلفظانهم في النهاية، وهو سبب قلقهم الدائم الجمعي والفردي الذي لن يضعف أو ينتهي دون رضا الشعب الفلسطيني، وهيهات أن يرضى بغياب العدل. وحتى لو وافقنا يهود باراك أن إسرائيل فيل في غابة، فإن النتيجة لن تتغير، لأن "الوحوش الكاسرة” ستفترسها.