الإخوان المسلمون في الأردن ما بين احتلالين

 


 

كثيرة هي الشواهد التي يمكن سوقها للتذكر بموقف إخوان الأردن المتشدد من عدم مشروعية استقدام قوات أجنبية لمحاربة البلد المسلم مهما كانت المبررات، وعلى نحو مبدأي وتبدى ذلك من معارضة الجماعة لغزو العراق، والذي كان اجتاح الكويت عسكريا عام 1991

وهو ما أشار إليه الكاتب مشاري الذايدي في صحيفة الشرق الأوسط عام 2005 مذكرا بموقف إخوان الأردن الرافض بحدة للاستعانة بقوات أميركية من اجل تحرير الكويت – بحسبه- و يورد أن إسماعيل الشطي، احد رموز إخوان الكويت، أشار إلى أن موقف إخوان الأردن كان اشد المواقف المتصلبة في رفض الاستعانة بالقوات الأجنبية.

ويدافع نائب مراقب الإخوان في الأردن آنذاك همام سعيد عن مواقف إخوان الأردن الذين نزلوا إلى الشارع وقادوا، مع بعض القوى القومية، مظاهرات الشارع الأردني المناهضة لإخراج العراق من الكويت على يد التحالف الدولي فيقول: موقفنا أننا كنا ضد التدخل الأميركي وكنا نعتبره استعمارا جديدا لمنطقتنا”.

ويضيف أن القيادي علي أبو السكر نوه إلى أن موقفهم حينها كان موجها ضد وجود القوات الاستعمارية في المنطقة وليس تأييدا لاحتلال الكويت.

وفي هذا السياق يصف العضو الاخواني الكويتي البارز مبارك الدويلة موقف الإخوان المسلمين بالأردن بأنه كما عبر عنه المرحوم النائب الاخواني الأردني الشهير يوسف العظم بقوله: لقدمٌ عراقية في أرض الكويت خير من قدم أميركية.

وهذا الموقف الاخواني الذي يرفض مبدأ استخدام قوات اجنبية في اخلاء العراق من الكويت، قابله موقف اكثر صرامة من مهاجمة العراق عسكريا بعد ذلك من قبل قوات التحالف بدعوى اسقاط النظام الدكتاتوري الذي لا يستجيب للقرارات الدولية، ولاخذ العراق حصته من الديمقراطية التي كان الغرب بصدد توزيعها على المنطقة اذ عارض إسلاميو الاردن هذا الاحتلال، واعتبروه مشروعا استعماريا يستهدف وحدة الامة، ولاضعاف كيانها.

وكانت بيانات الحركة الإسلامية تذهب إلى حد تخوين المعارضة العراقية التي وضعت أيديها في أيدي قوات الاحتلال، وقد طالب حزب جبهة العمل الإسلامي عام 2004 الحكومة الأردنية بقطع العلاقات مع حكومة إياد علاوي التي نصبها الاحتلال الأمريكي في العراق.

وقالت في بيان لها “ إن الجبهة طلبت من الحكومة الأردنية أن تنهي كافة علاقاتها مع حكومة رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي احتجاجًا على تأييدها للعدوان الأمريكي على الفلوجة، وفق ما ذكرته وكالة “يو. بي. آي” للأنباء. واتهمت المذكرة حكومة علاوي بأنها “معادية للشعب العراقي وتتجاهل مشاعر الأردنيين والعرب والأمة الإسلامية”.

وأكد إسلاميو الأردن أن استمرار العلاقات مع الحكومة العراقية الموالية للاحتلال الأمريكي يشكل “نوعًا من استحسان سياساتها ويعطي الشرعية لجرائمها”.

وفي سياق متصل كانت جبهة العمل الإسلامي قد أصدرت عددًا من البيانات حثت العرب والمسلمين على إضفاء الشرعية على المقاومة العراقية.

وفي مطلع هذا العام 2011 أكد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الاستاذ زكي بني أرشيد أن مصير العراق المحتل “ لن يتحدد من خلال هياكل افرزها الاحتلال، بل من خلال دماء أبنائه المقاومين لرجس العدو الأمريكي وعملائه، ومن خلال إسناد عمقه العربي الإسلامي لمشروع تحرره من الارتهان للعدو بكافة أشكال الارتهان المباشرة وغير المباشرة”. وأضاف في بيان نشره الموقع الرسمي للحزب أن موقف الجماعة في العراق “يعبر عن موقف الإخوان المسلمين في كل أقطار العالم، فلا يقر الإخوان المسلمون للاحتلال بسيادة ولا شرعية على أي جزء من العالم الإسلامي ويطالبون برحيله ويؤيدون المقاومة الشريفة لدحره”.

وعلى ذات النهج فقد حرمت اللجنة المركزية لعلماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي – الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- إرسال قوات عسكرية لأفغانستان للقتال إلى جانب القوات الأميركية، وذلك طبقا لما جاء في فتوى صدرت بهذا الخصوص.

وقالت الفتوى التي صدرت عن اللجنة التي يترأسها القيادي الإخواني البارز الدكتور محمد أبو فارس إنه “يحرم على أي مسؤول أن يرسل قوات عسكرية إلى أفغانستان لتقاتل مع قوات التحالف بقيادة أميركا في أفغانستان أو في أي بلد آخر”.

وقالت إن “حكم الشرع في مشاركة قوات عسكرية إلى جانب قوات التحالف التي تقودها أميركا في حربها على أفغانستان وغيرها فهو موالاة لغير المسلمين في عدوانهم على المسلمين، وهذا حرام وظلم لقول الله سبحانه “ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون”

وذهبت الفتوى حد القول إن حكم الله في من “يوالي الأميركان ودول التحالف في محاربة المسلمين بأنه يخرج نفسه من دائرة الإسلام”.

اما في الشأن الليبي فقد اكتفى حزب جبهة العمل الإسلامي في بداية تدخل الناتو بعمليات عسكرية بطلب من الثوار ضد قوات القذافي !!!! ببيان خجول اعتبر فيه أن تحليق الطائرات الحربية الغربية فضلاً عن قصف أهداف على الأرض العربية مبعث قلق شديد لدينا وعامل استفزاز لنا لأنه يتناقض مع السيادة من جهة ومع المصالح العربية من جهة أخرى ... ويسوغ هذا التدخل باستطراده بكونه يحمل مسؤولية هذا التدخل كاملة للعقيد القذافي وللنظام الرسمي العربي فالعقيد القذافي الذي حكم البلاد حكماً فردياً دكتاتورياً فاسداً وتصدى بوحشية مع مرتزقته للقضاء على الانتفاضة الشعبية وارتكب أبشع المجازر بحق الشعب الأعزل، كما ان النظام الرسمي العربي بعجزه وتقاعسه ومجاملاته ومشاركة بعض أطرافه في مساندة القذافي فتح المجال أمام التدخل الدولي. ولم يكن هذا هو الموقف ذاته من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ولم يصار الى تبرير التدخل الاجنبي بدعوى الدكتاتورية.

وفي موقف اشد وضوحا على موقف الجماعة فقد صدر بيان حمل تاريخ 16 ربيع الثاني 1432هـ لحزب جبهة العمل الإسلامي هنأت فيه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن الأمتين العربية والإسلامية، بما وصفته بـ”سقوط طاغية ليبيا معمر القذافي،” فيما هنأت أيضا الشعب الليبي بالنصر.

وقال المراقب العام للجماعة في الأردن، همام سعيد، في بيان الاثنين: “تهنئ جماعة الإخوان المسلمين الشعب الليبي العظيم والأمة العربية والإسلامية بهذا النصر المؤزر، الذي وافق ليلة الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك، ليضاف إلى قائمة الفتوحات العظيمة التي أظلها الشهر الكريم، لينضم هذا الفتح إن شاء الله إلى بدر وفتح مكة.

وأشار المراقب العام إلى أن “هذا النصر جاء بعد عشرات الألوف من الشهداء والجرحى وكانت تكاليفه كبيرة؛ ما يعطيه طعماً خاصاً ويجعله إنجازاً شارك فيه جميع أبناء ليبيا رجالاً ونساءً شيباً وشباناً، وقد خرج الشعب الليبي أصلب عوداً وأشد شكيمةً وهو يأخذ اليوم مكانه في طليعة الأمة.

وواضح أن بيان المراقب العام لم يأت على ذكر قوات التحالف التي كانت تقصف المدن والقرى والبنية التحتية الليبية دعما للثوار، وتخلف عشرات آلالاف من الضحايا ، ولم يتطرق إلى المعارضة الليبية التي استقدمت التدخل الأجنبي، والتي حظيت بالاشادة من قبله، وتم الاشارة الى النصر الذي تحقق دون الدعوة لاقتسامه بين الثوار والناتو، ولم يطالب الحكومة الأردنية بعدم الاعتراف يمخرجات العملية السياسية التي تجري حاليا في ليبيا تحت نظر ومسمع الامريكان والفرنسيين والايطاليين. وقد تجاوز موقف الجماعة القاعدة الفقهية التي تنص على أنه” إذا احتل شبر من ديار المسلمين، أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة”. ربما لأن الناتو ما تزال طائراته تحلق في السماء. وبذلك يصبح طلب التدخل الاجنبي في طريقه الى اخذ المشروعية في عرف الاجيال.