العنف ضد المرأة

اخبار البلد-

 

اندلع النقاش مؤخراً حول العنف ضد المرأة في الأردن بعد الجريمة البشعة التي ارتكبها زوج بحق زوجته باقتلاع عينيها أمام اطفالها، وحرمانها من نعمة البصر للأبد.الجدال يشكل دوماً حالة صحية، ولكن تياراً قوياً يرفض اعتبار العنف ضد المرأة ظاهرة ومشكلة اجتماعية بالرغم من وجودها منذ فترة زمنية، وتفاقمها في السنوات الماضية. وكحال المشكلات الاجتماعية الأخرى، فنحن نعيش في حالة إنكار باعتبار أن هذه المشكلات تتنافى مع قيمنا وعاداتنا، وتنتهي المشكلة هنا.
الأصل في النقاش أن نلجأ للمعلومات لتكون الفيصل في هذه الأمور، والمعلومات متوفرة ومتاحة للاطلاع أيضاً.
في حالة العنف ضد المرأة هناك مصدران أساسيان، وهما: دائرة الاحصاءات العامة بمسوحاتها الدورية، وإدارة حماية الاسرة التي تتعامل مع العنف الأسري بشكل دائم.
مسح السكان والصحة الأسرية للعام 2017-2018 يشير بما لا يدع مجالاً للشك بأن نسبة من النساء اللواتي تعرضن للعنف من العام الذي سبق الدراسة يتجاوز ربع النساء 26 %، كحالات عنف جسدي وجنسي، ومايزيد على الخمس 20 % تعرضن لعنف عاطفي أو نفسي، وذلك يعني أن خمسا من كل عشر نساء يتعرضن لأحد أشكال العنف الأسري. نسبة كبيرة من اللواتي تعرضن لأحد أشكال العنف الجسدي عانين من جروح وكدمات وكسور وغيرها من النتائج.
المصدر الثاني هو إدارة حماية الاسرة، والتي تشير بياناتها بأنها تعاملت مع 10,527 حالة منذ بداية العام وحتى نهاية آب العام 2019، وإذا استمرت على نفس المعدل فمن المتوقع أن تصل الى أكثر من 15000 مع نهاية العام.
أما بالنسبة للذين يمارسون العنف ضد المرأة فهم أفراد الأسرة، ويأتي الزوج الحالي بالمرتبة الأولى 71 %، يليه الزوج السابق 15 %، ثم الأخ 13 %، والأب 1 % و غيرهم من أفراد الأسرة.
إن استمرار العنف ضد المرأة هو دليل على استمرار النظرية الدونية للمرأة من قبل فئات عريضة في المجتمع. وبما أن العنف ضد المرأة منتشر في كافة الطبقات والفئات، فهو ليس ناتجاً عن الجهل، بل عن منظومة ثقافية يشعر خلالها الرجل بأن له الحق في ممارسة العنف ضد المرأة، وأنها تستحق ذلك في حال رفضت هيمنته وتسلطه عليها. كذلك، يشكل ذلك عدم اعتراف الرجال وإقرارهم بالمساواة بين الجنسين ، ويعتبر من أعلى درجات وأشكال التمييز ضد المرأة، ويشكل إمعاناً في ممارسة السلطة الأبوية عليها.
إن الآثار المترتبة على العنف ضد المرأة خطرة على المرأة والأسرة، فبالإضافة للآثار الصحية على المرأة سواء كانت الحالة الجسدية أو النفسية، فإن الأطفال يعانون من جراء ذلك، وليس مستبعداً أن يؤدي العنف ضد المرأة الى التفكك الأسري أيضاً كالطلاق، وغيره من المشكلات التي يمكن أن تحدث داخل الأسرة.
إن سياسات الحكومة لمجابهة هذه الظاهرة ما تزال متواضعة ومحدودة، ولكن من أهمها إدارة حماية الاسرة التابعة للأمن العام والتي تعتبر رائدة، حيث أصبح لها فروع في أغلب مناطق المملكة والتي تستقبل الحالات والشكاوى من الناس الذين تعرضوا للعنف، وتقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم، ويتم تحويل جزء ليس ببسيط للقضاء أو لمؤسسات الرعاية الاجتماعية من أجل تقديم الرعاية المناسبة لهم.
بالرغم من أهمية ما تقوم به إدارة حماية الاسرة، إلا أن هذه الجهود غير كافية للإطاحة بكافة أبعاد المشكلة للتصدي لها بشكل متكامل.
الحكومة تشعر أن معالجة هذه المشكلة هي من مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي تعفي نفسها من مواجهة هذه الظاهرة، وهذا الاستنتاج الخاطئ.
إن العنف ضد المرأة يأخذ أبعاداً نفسية وصحية واقتصادية، ويجب النظر إليها من منظور شمولي.
لقد أصبح الوقت مناسباً للتفكير في المشكلة على المدى البعيد، وقد يتطلب الأمر وضع استراتيجية خاصة بالعنف ضد المرأة، تأخذ بكافة الأبعاد المرتبطة بهذه الظاهرة، وقيادة الجهود الوطنية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، وإنصاف الضحايا اللواتي يتعرضن بشكل دائم للعنف.