"دعه يتعثر.. أحبطه.. دعه يتوقف"

 

بوزن مقولة "دعه يعمل، دعه يمر" للاسكتلندي الشهير آدم سميث صاحب كتاب "ثروة الأمم" والذي أحدث تحولات جذرية في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، يترسخ لدى مؤسساتنا مقولة "دعه يتعثر.. أحبطه.. دعه يتوقف".

الأمر لا يقتصر على القطاع العام بل تعدى ذلك ليتفشى في الخاص، ففي الأولى الحكومة هي صاحبة الولاية، إذ تجد أن الفساد والمحسوبية والتسلق بشكل غير قانوني أمور ساهمت في تعزيز ذلك المفهوم، أما في الثانية فإن رأس المال هو صاحب القرار الأخير وإن كان على حساب الجميع.

لا يبرر الخلاف حول فكر سميث إن كان شيوعيا أم ليبراليا عدم أخذ العظة من مقولته التي أصبحت نقوشا تدرس في علوم الاجتماع ومنبرا اساسا في مسيرات النهضة الاقتصادية، لكن مع الأسف فإن رد الفعل كان عكسيا، فمن رغبة في تبديد النزعة الفردية والابقاء على النشاط الاجتماعي وتوزيع المنافع- اي التكافلي بمعنى أدق- وجدنا أنفسنا أمام مبالغة في هذا النشاط فأصبحت الملكية الجماعية على حساب الفرد.

بمزيد من التوضيح لا بد أن نكون أكثر اعتدالا في تعاملاتنا الانسانية والعملية، وأن لا نغيب القدرات الفردية والابداعات النوعية لحساب الجماعة، على اعتبار أننا نقتسم كل شيء حتى الغباء.

وتوضيح إضافي يقول إن من الكارثة بمكان التغاضي عن أخطاء الآخرين وعدم محاسبتهم لتسيير امر العامة وتوفير المناخ الملائم في المسيرة العملية، لكن نجد بأننا وقفنا في ذات يوم أمام عثرة كبيرة خلصت من تراكمات ذلك التغاضي، آنذاك لن نجد فرصة لا لتوزيع المكاسب ولا استمرارية، فيكون الاحباط سيد الموقف ومن ثم التوقف التام.

أثبتت التجربة الرأسمالية فشلها بعد أن تعدت الملكات الفردية على حقوق الجماعة، في المقابل كانت الشيوعية أكثر فشلا عندما استقوت الجماعة على الابتكار والابداع والتفرد النبيل للفرد نفسه.

يتحدثون عن بديل آخر يتمثل في اقتصاد اسلامي ولا أرغب بأن أطلق عليه نظاما أو نهجا أو دينا لعدم الخروج من نطاق المؤسسات على اعتبار أنها تصب في هذه الخانة وإن كان لها منافذ أخرى دينية واجتماعية وسياسية.

صحيح أن هذا الاقتصاد أثبت مناعته ضد هزات مالية عالمية كانت أم محلية، وكان يملك طوق نجاة تمثل بعدم التورط بعقود مشبوهة وصفقات غير مفهومة، لكن السؤال هل استطاع أن يتكيف مع معادلة وسط تجمع بين المفهومين الليبرالي والاشتراكي؟.

أدعي بأنه فشل حتى اللحظة، فكان هنالك خلط بين مصلحة الجماعة ومصلحة الفرد، ولم يستطع ولو بمكان أن يوازي بين تشجيع قدرات ذاتية فردية على الابداع ودعم الجماعة لتعمل كفريق واحد يتشاركون الاخطاء قبل الصواب، بالطبع لإصلاح الخطأ وتعظيم الفوائد.

حلقة جديدة أخرى تبدأ برغبة في إطفاء أنوار الغرفة كافة في منتصف الليل بسبب رغبة الجماعة التي خلصت بالأصل من رغبة فرد، مقابل فرد آخر يرغب بالضوء ويرغب أن تدعه يعمل وتدعه يمر، فيجد نفسه بأنه محبط ومضغوط عليه فيتوقف.