وزراء الأردن: «شاهد ما شافش حاجة»

اخبار البلد-

 

حافظ سفير «عربي» جديد في عمان على وقار جملته الدبلوماسية وهو يطرح في نقاش على عشاء سياسي سؤاله حول «المأمول بعد التعديل الوزاري الذي أمره به جلالة الملك مؤخرا».
الرجل وهو مخضرم ووزير سابق وناطق باسم حكومته طرح استفساره بكل براءة ودبلوماسية مع مقدمة تليق بخطاب السفراء وتعبير عن شعوره العميق بعد نحو أسابيع على استقراره سفيرا لبلده بالضيافة والترحاب.
لم يتوقع لا السائل ولا النظارة من الجالسين أن يحيل مضيف الجلسة وهو النائب خليل عطية الجواب على السؤال إلي أنا كاتب هذه السطور بإعتباري المتابع الخبير لهذه «الأردنيات».
السفير المخضرم أيضا لم يتوقع «جرعة الغضب» عند الأردنيين من «الترقيع الوزاري» الأخير فتلقى الرجل جملة من التوضيحات والشروحات التي تعكس إجماع الأردنيين وتوافقهم بصرف النظر عن مواقعهم على توصيف واحدة من أهم الأزمات المحلية وبعنوان السؤال التالي: كيف يختار الوزراء في بلادنا؟.
في الحالة الأردنية نملك امتيازا شعبيا وديمقراطيا عز نظيره حتى عند الأشقاء في المغرب العربي أو الأصدقاء في الغرب.
وأزعم أنه امتياز لا مثيل له في العالم ولم يخطر على ذهن علماء السياسة إطلاقا ولا في رأس من يعمل في هوليوود حيث صناعة السينما.
نحن قد نكون الشعب الوحيد في الكرة الأرضية الذي يملك الحق الكامل في «الإساءة» لأي وزير وتشريحه والاعتراض على وجوده وعمله سابقا ولاحقا لتعيينه وإختياره مع متلازمة التبرم والتشكيك والطعن المسبق واللاحق بالمهنية والكفاءة. ونملك الحق الكامل بدون حتى مراجعة في قول ما نريد عن أي وزير في الحكومة دون أن يكون ذلك مكلفا إطلاقا لا سياسيا ولا أمنيا.
ونحن أيضا نصطف بالآلاف لمصافحة او تهنئة الوزير الجديد ونتعامل معه بإعتباره «ثروة وطنية» قبل الانقضاض عليه لاحقا وبلا رحمة.
الغريب أن الأردني أيضا هو المواطن الوحيد في العالم الذي لا دور له من أي نوع وفي أي وقت في اختيار أي وزير.. حتى الوزير نفسه لا يملك الحق في اختيار نفسه ولا في البقاء بمنصبه ولا بمعرفة لماذا غادره لاحقا أو عاد إليه بعد عامين من مغادرته له مما يحيله دوما إلى «شاهد ما شافش حاجة» على طريقة عادل إمام.

لا تعجبنّ من ثورة الشعوب العربية، بل تعجّبوا بالأحرى من أن هذه الشعوب انتظرت حتى العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين حتى أخذت تثور! أما وقد بدأت، فلن تتوقف في وقت قريب، بل ستواصل مسارها الثوري حتى تقضي على اللامساواة الفاحشة التي تسود في بلدانها

وأراهن شخصيا غالبية أصدقائي الوزراء ما إذا أثبتوا لي أو لأي سفير أو مواطن بأي صيغة وبأي وقت أن لديهم «رواية واضحة» يمكن أن يقدمها أي منهم لقصة «توزيره» ولاحقا لقصة «إعفائه» من منصبه أو حتى «عودته» إلى وزارته أو وزارة أخرى بعدما طواه النسيان.
لا تزال مقولة «معالي الشعب الأردني» تقرع كالجرس بسبب عدد أصحاب اللقب العملاق وازدحامهم عند الولائم والمناسف. وأتحفنا وزير سابق وصاحب نكتة يوما بما حصل معه حيث استيقظ صباحا فطلب من خادمته الآسيوية الصحف اليومية فقالت له «لا توجد صحف سيدي». تمتم الرجل وسأل عن السائق فقالت الخادمة: «لا يوجد سائق سيدي». طلب الوزير هواتفه الرسمية فقالت.. «لا توجد سيدي».
السؤال الختامي مع صراخ على الخادمة: «أين الجميع؟».. ردت الخادمة.. «لم تعد وزيرا سيدي لقد طرت من منصبك».
طبعا يعرف الجميع أيضا قصة الخادمة التي باركت لسيدها رئيس الوزراء على تعيينه رئيس الحكومة على منصات التواصل في السادسة صباحا وقبل أن يعلم الشعب الأردني نفسه بالأمر.
نعود لما قلناه لصاحبنا السفير الضيف ـ حتى لا يساء فهمنا ولا يزور تقرير ما الوقائع ـ .
قلنا للضيف بأن بلادنا تختلف عن غيرها أصلا فالملك لا علاقة له بالتعديلات الوزارية وصلاحياته مطلقة أيضا بالخصوص ويشكو مثلنا نحن معشر المواطنين وعلنا من ضعف وقصور أداء الوزراء وانتاجهم للعوائق أحيانا ولا تعجبه خيارات التعديلات الوزارية في بعض الأحيان.
وقلنا دستوريا وسياسيا ووطنيا وشعبيا يوجد شخص واحد هو المسؤول الأول والأخير عن اختيار الوزراء.
وهو رئيس الوزراء العامل فقط وما يفعله أنه يختار الطاقم وينسب للملك فتصدر إرادة ملكية بمعنى أن المؤسسة الملكية تترك هامشا كبيرا في الاختيار ودعم خيارات رئيس الحكومة لكنه حتى وإن تدخلت أي من المؤسسات السيادية فهو المسؤول دستوريا عن الخيارات.
طبعا تحدثنا أيضا عن قانون غير مكتوب يحسم غالبية الترقيعات والتعديلات وهو المحاصصة المناطقية والعشائرية والمكوناتية البغيضة التي يدافع عنها الجميع ويعتبرونها أنموذجا في إدارة ديمقراطية خاصة عز نظيرها ولا تدرس في الكتب ولا يمكنك رصدها في أي بحث علمي أو كتاب.
فقط في الحالة الأردنية يمكنك أن تكون موهوبا لدرجة تولي وزارة الزراعة ثم الداخلية ثم البلديات ثم البيئة.
ويمكن أن تلعب عجلة الحظ الوزاري فتصبح وزيرا للنقل إذا توفرت لديك خبرة في تحريك السيارات التي تبيع الحليب.
لا يوجد ما يمنعك إطلاقا إذا كنت غير قادر على المشي وعجوزا من تولي وزارة الرياضة والشباب فأنت في النهاية من جماعة عادل إمام «شاهد لم تر شيئا ومشافش حاجة».