المالية العامة في الأردن: الأداء والآمال
اخبار البلد-
سجل عجز الموازنة بعد المنح ارتفاعاً ملحوظاً خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2019 نسبته 14.1 بالمائة، حيث بلغ العجز حوالي 891.5 مليون دينار مقابل 781.4 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام 2018. وبمقارنة رقم عجز الموازنة المسجل في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام مع ما كان مستهدفاً في موازنة العام 2019 كاملا (والمقدر بحوالي 645.6 مليون دينار) نجد أن هناك تجاوزا ملحوظا لمبلغ العجز عما كان مستهدفاً. وفي البحث عن أسباب ارتفاع العجز، نجد أن ذلك جاء نتيجة لارتفاع النفقات العامة أكثر من ارتفاع الإيرادات العامة خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2019. حيث ارتفعت النفقات العامة بنسبة 4.7 بالمائة لتبلغ 5765.1 مليون دينار مقابل 5504.6 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام 2018، كمحصلة لارتفاع النفقات الجارية بمقدار 296.8 مليون دينار أو ما نسبته 5.9 بالمائة، وانخفاض النفقات الرأسمالية بحوالي 36.4 مليون دينار أو ما نسبته 7.2 بالمائة. وبالمقابل، ارتفعت الإيرادات المحلية خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2019 بحوالي 189.3 مليون دينار لتسجل 4721.8 مليون دينار مقابل 4532.5 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام 2018، وبنسبة ارتفاع بلغت 4.2 بالمائة. وقد جاء الارتفاع في الإيرادات المحلية نتيجة لارتفاع حصيلة الإيرادات الضريبية بحوالي 28.3 مليون دينار، وارتفاع حصيلة الإيرادات غير الضريبية بحوالي 161 مليون دينار.
أن ارتفاع النفقات العامة لم ينعكس على النشاط الاقتصادي لأن غالبيته كانت نتيجة لارتفاع النفقات الجارية المتمثلة بالرواتب والأجور والتقاعد وفوائد الدين العام وليس النفقات الرأسمالية التي شهدت تراجعا كما ذكرنا اعلاه.
وقد انعكست تلك التطورات في الموازنة على رصيد الدين العام، حيث ارتفع إجمالي الدين العام بنسبة 5.4 بالمائة في نهاية شهر آب من العام 2019 مقارنة بنهاية العام 2018، ليصل إلى 29.8 مليار دينار أو ما نسبته 96 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المعاد تقديره لنهاية شهر آب من العام 2019، مقارنةً مع 28.3 مليار دينار أو ما نسبته 94.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2018. علماً بان مديونية شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه تبلغ نحو 7.4 مليار دينار. وهنا تأتي أهمية معالجة مديونية هاتين الجهتين بكافة الوسائل والأساليب المتاحة.
والتساؤل الذي يطرح، هل هناك خلل في افتراضات الموازنة وفي طريقة اعداد وتقدير بنودها، أم أن الخلل يكمن في التطورات والمستجدات والهزات التي تحدث في الاقتصاد لأسباب مختلفة تجعل من الصعب تحقيق بنود الموازنة المقدرة بشكل دقيق؟ نطرح هذا التساؤل في الوقت الذي نسمع فيه حديث حول نية الحكومة في نقل ارتباط دائرة الموازنة العامة من وزارة المالية الى وزارة التخطيط. للوهلة الأولى يرى المراقب أن هناك ارتباطا وثيقا بين الموازنة العامة والتخطيط كون الموازنة العامة هي خطة الحكومة لسنة مالية مقبلة لتحقيق الأهداف الوطنية المنشودة ضمن إطار مالي متوسط المدى. ولكن، يصبح هذا الرابط ضعيفاً عندما نتذكر أن أكثر من 87 بالمائة من الموازنة العامة في الأردن هي نفقات جارية متمثلة برواتب الجهاز المدني والعسكري والامن والسلامة العامة ونفقات التقاعد وفوائد الدين العام ونفقات الدعم الطبي والجامعات والمعونات النقدية المتكررة، وهذه نشاطات من اختصاصات وزارة المالية المباشرة. فلماذا نغامر بهذا التمرين لنجد بعد فترة أنه قد يشكل إضعافاً للتخطيط المالي الصحي والسليم. أدعو لدراسة موضوع ربط دائرة الموازنة العامة بوزارة التخطيط ملياً قبل اتخاذ قرار نهائي بهذا الخصوص.
ما نحتاجه في هذه المرحلة هو تنشيط الاقتصاد وتحفيز الاستثمار لينعكس على مالية الدولة بغض النظر عن الهيكل المؤسسي للمالية العامة للمملكة. جلالة الملك تطرق خلال افتتاحه للدورة البرلمانية العادية لمجلس الامة الى ضرورة مراجعة بعض التشريعات وخاصة الضريبية والجمارك. باعتقادي أن هذه فرصة لإعادة النظر بالتعديلات في النسب الضريبية على الشركات والافراد التي لمسنا آثارها السلبية على أداء الشركات والقدرة الشرائية للأفراد وانعكست على شكل تراجع ملموس في الطلب العام المحلي وتراجع معدلات النمو الاقتصادي لتصل الى أدنى مستوياتها لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمن. حمى الله الأردن.