|
لم يُخف القيادي الإخواني العراقي ضيقه الشديد بما أسماه، مازحاً أو جاداً، بـ"الاستعمار الاستيطاني" الإيراني للعراق.. قال في معرض الشرح والتوضيح، أن الاحتلال الأمريكي للعراق، قصيرٌ مهما طال أمده، وأنه في نهاية المطاف، لن يترك بصمات لا تحمى في النسيج السياسي والاجتماعي والثقافي والسكاني العراقي، بخلاف "نظيره"، الاختلال الإيراني الزاحف.. لم يكن الرجل في معرض المفاضلة بين احتلالين، بقدر ما كان يجري تمريناً ذهنياً، بصوت مرتفع، عن الفرق بين السيىء والأسوأ.. آثرت الصمت وعدم التعليق، حتى أسمع القصة لنهايتها.
مشاعر "إخوان العراق المسلمون" حيال إيران، ليست بأحسن من مشاعر "إخوان سوريا المسلمون" حيال الجارة الإقليمية الكبرى.. هم على قطيعة معها منذ سنوات طوال، بل ويعتبرونها مصدراً من مصادر "نسغ الحياة" للنظام السوري.. والمؤكد أن علاقات دمشق بطهران، لن تظل على "استراتيجيتها" أياً كان النظام الذي سيلي نظام الرئيس بشار الأسد، خصوصاً إن أمكن لإخوان سوريا أن يحظوا بحصة مقدرة من "كعكة" السلطة القادمة في سوريا.
ذات المشاعر "غير الودية" حيال إيران ودورها في المنطقة، تجدها مبثوثة لدى "إخوان الأردن المسلمين".. هؤلاء حملوا بصورة مباشرة عبر كتابهم ومعلقيهم على مواقف إيران من بعض الملفات والأزمات الأخيرة، بالأخص ملف الثورة السورية.. حتى أن بعض المصادر تقول، أنهم قاطعوا رسمياً احتفال السفارة بيوم القدس وفلسطين، والسبب الذي طرح لتبرير مقاطعة الحفل، هو وقوف إيران خلف النظام السوري ودعمها لإجراءاته القمية ضد شعبه.
لا أدري كيف هو شعور "إخوان مصر المسلمين".. في ظني أنهم الأقل "غضباً" حيال نظام طهران.. حتى أن بعض المصادر ذكرت أن طهران طلبت إليهم التوسط لدى "إخوان سوريا" لفتح قناة حوارية خلفية معهم، في سياق استراتيجية إيرانية جديدة، لا ترغب في "وضع كل البيض في سلة واحدة"، وتفضل التعامل مع مختلف الاحتمالات والسيناريوهات التي تنتظم الأزمة السورية، وتقرر مآلاتها.. في كل الاحوال، لن يغرد إخوان مصر مطولاً بعيداً عن سرب إخوان المشرق عموماً.
إن السؤال الذي يلح علينا ونحن نشهد هذه "التحوّلات" في المواقف الإخوانية حيال طهران، يتعلق أساساً بموقف "إخوان فلسطين المسلمون" من إيران، وأعني بالطبع، موقف حركة حماس.. العلاقات ما زالت ظاهرياً، على حالها "المتقدم" رغم أن كثيرا من المصادر تتحدث عن تراجع وفتور وانخفاض في منسوب المساعدات المالية والعينية، إلى غير ما هنالك.. لكن إيران بلا شك، أخذت أكثر من أي وقت مضى، تحيط علاقاتها بحماس بكثير من "الأسئلة" و"الشكوك"، إن لم تكن الراهنة والفورية، فالمستقبلية على أقل تقدير.
ولا ندري إن كان ذلك سيفتح باباً أمام طهران، للتفكير "بتنويع" علاقاتها مع الخريطة السياسية والفصائلية الفلسطينية.. كأن تشرع مثلاً في استعادة بعض علاقاتها القديمة مع فتح والمنظمة وحتى السلطة.. هذا أمرٌ ما زال في علم الغيب، وإن كنّا لا نستبعد حدوث تطور من هذا النوع، لا سيما أن حكاية "نهج التسوية" لم تمنع طهران من إقامة علاقات مع دول أخرى متورطة في هذا "النهج" كالسلطة الفلسطينية، أكثر قليلاً أو أقل قليلاً.
كما أننا لا نأخذ على محمل الجد، حكاية "نهج المقاومة" التي تضعه إيران أساساً (تُقرأ شرطاً) لعلاقاتها مع الدول والمنظمات، فإيران دولة تعرف قواعد اللعبة السياسية وشروطها، حتى وإن كانت مثقلة بالايديولوجيا واجتهادات الفقيه وولايته، بدلالة أن إيران احتفظت بمروحة واسعة من العلاقات الدولية الشائكة والمعقدة، التي تبدأ بالقاعدة ولا تنتهي بـ"قوى الاعتدال والاستكبار".. كما أن اندراج إيران في "معسكر المقاومة والممانعة" لم يوفر سبباً كافياً لدى إخوان العراق وسوريا" لفتح صفحات من التوادد والتعاون والتنسيق.. وحدهم إخوان فلسطين والأردن، اشتروا هذه البضاعة، بأثمان مختلفة، ولأسباب مختلفة.. اليوم تقترب العلاقات الإخوانية- الإيرانية من لحظة الحقيقة والاستحقاق، والأرجح أنها تتجه للتأزم والتوتر، إن على خلفية الموقف من العراق بكل ملفاته وأزماته، ودائما على خلفية الموقف من الأزمة السورية، ناهيك عن "الفالق المذهبي" الذي يفصل الصديقين اللدودين.
ربيع العرب الذي أطاح ويطيح بأنظمة عربية عديدة، ويهدد اليوم أنظمة أخرى بالسقوط والترنح.. هذا الربيع سينقلب خريفاً "ناشفاً" أو ربما، شتاء قارصاً على علاقات طهران مع الحركة الإخوانية على امتداد العالم العربي.. ولن يمنع تحولاً كهذا من الحدوث، إلا استدارة غير متوقعة في موقف إيران وموقعها على خريطة الشرق الأوسط الجديد الناشئ، وهو شرق أوسط تصنعه الثورات والانتفاضات العربية، وتساهم في تشكيله، القوة الإقليمية الوحيدة الصاعدة: تركيا.
|