طوقان : البرنامج النووي الأردني استراتيجية دولة وليس مرتبطا بشخص

اخبار البلد _ أكد وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور خالد طوقان أن برنامج الطاقة النووية الأردني برنامج وطن واستراتيجية دولة، وليس مشروعا مرتبطا بشخص بعينه.

وقال طوقان خلال حوار مع أسرة «الدستور» حضر جانبا منه رئيس التحرير المسؤول الأستاذ محمد حسن التل إن الاستراتيجية الوطنية للطاقة وضعت لأهداف تتعلق بتنويع مصادر الطاقة وزيادة حصة انتاج الطاقة المولدة محلياً، والاستثمار في الصخر الزيتي والبحث عن مصادر جديدة للغاز في الأردن، والاستثمار في الطاقة المتجددة: الشمس والرياح، مشيرا الى أن الطاقة النووية أحد الأركان الأساسية لتوليد الطاقة في المملكة في المستقبل المنظور.

وأضاف ان الأمة الواعية تستثمر ما لديها من نفط وغاز وما يتأتى لها من موارد لتنتقل إلى عصر الطاقة النووية، لافتا الى أن وجود هذه الثروات في دول عربية لا يعني ألا تطرق هذا المجال.

وتناول طوقان فوائد إنشاء المحطة النووية في المملكة مؤكدا انها ستورد دخلا ماليا كبيرا، ومفندا في الوقت ذاته ما يشاع من مخاطر وعقبات بهذا الصدد.

وأوضح أن المحطة النووية ليست جسما مشعا، مؤكدا أن التخوف من تسببها بالسرطان غير صحيح علمياً.

وبين طوقان تفاصيل قضية الغاز المصري ومطالبة المسؤولين المصريين بتعديل السعر المتفق عليه التي أوضح أنها بدأت منذ مطلع العام 2010، مشيرا الى بوادر انفراج في القضية.

وتاليا تفاصيل الحوار.



الدستور: أنت من الرموز السياسية والمتخصصة البارزة في الأردن، ولك باع طويل على مستوى الدولة في تخصصك، فقد أبدعت في وزارة التربية وفي مجال الطاقة.. الطاقة لم تعد موضوع النخبة، بل أصبحت موضوع الناس، خصوصاً في وطن كوطننا موارده شحيحة وتكاد تكون معدومة، وكل ميزانيته متوجهة نحو الطاقة البديلة، خصوصاً قصة النفط والماء والكهرباء..

دخلنا منذ أكثر من عامين في موضوع المفاعل النووي، نريد من خلال هذا اللقاء أن نوصل إلى أذهان المواطن ما يعنيه البرنامج النووي، ومتى سيشعر المواطن الأردني بأهمية وضرورة هذا البرنامج ويلمس فوائده؟.

طوقان: شرف كبير لي أن أكون بين الزملاء، رئيس تحرير الدستور وصحفيين في الجريدة، فالعلاقة بيننا قديمة.

في موضوع الطاقة.. الحياة قامت على ثلاثة أركان، وقال العرب قديماً ان الحياة هي الماء والكلأ والنار، وقال الله تعالى في القرآن الكريم «وجعلنا من الماء كل شيء حي». هذه أساسيات أي حضارة وأي مجتمع وأساسيات الحياة، فهي تتطور من عصر إلى عصر. الطاقة في الماضي كانت النار، إشعال الحطب، ولاحقاً الطاقة أصبحت من خلال حرق الفحم وتوليد الطاقة من آلات بخارية، لكن العالم تطور باستمرار إذا نظرنا إلى مسيرته عبر ألوف السنين، فمنذ خمسينيات القرن الماضي طرقت البشرية باب الطاقة النووية، طرقتها عسكرياً وطرقتها سلمياً، فعسكرياً معروف أن الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حسموا الحرب لصالحهم، وكان عاملا رئيسيا أنهم سخروا الطاقة النووية لأغراض عسكرية، وهذا ساعدهم في كسب الحرب، ولكن الحلفاء أيضاً، سواء الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية إضافة إلى الاتحاد السوفييتي، سخروا هذه الطاقة لأغراض سلمية، وكان لها دور أساسي في نموهم الاقتصادي، وتطورهم، فعدا الجانب الاستراتيجي والعسكري والقوة، كان هناك جانب اقتصادي.

استراتيجية الطاقة النووية

أحضرت معي ملفا كاملا عن استراتيجية الطاقة النووية في الأردن.. إذا نظرنا إلى الخارطة النووية في العالم الآن وأين توزيع المفاعلات النووية، والدول التي خطت في مجال الطاقة النووية، فنلاحظ أنها موجودة في الدول التي تعتبر نفسها متقدمة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وروسيا، منها مثلاً كوريا الجنوبية والصين والهند. نحن في العالم العربي للأسف ولأسباب عدة منذ الحرب العالمية الثانية والاضطرابات والتخبط السياسي الذي ساد العالم العربي، فالعالم العربي لم يطرق مجال الطاقة النووية إطلاقاً، فهناك عوامل سياسية وعوامل اجتماعية لعبت دورها، لكن الغريب أن كل العالم سار في هذا الأمر، ليس فقط أوروبا وأميركا، حتى دول آسيوية ككوريا، فكوريا في الخمسينات كانت دولة زراعية، وكان الشعب الكوري 90 بالمائة منه شعب زراعي، الآن إذا لاحظنا مسيرة كوريا خلال الثلاثة عقود الماضية، وهذا الأمر قاله الرئيس الكوري باك لجلالة الملك خلال زيارته قبل عدة سنوات، فان نهضة كوريا وقوتها الاقتصادية والاجتماعية الآن لعبت فيه الطاقة النووية الدور الاكبر، لأنها أولاً نهضة تكنولوجية علمية، وثانياً من ناحية اقتصادية أعطت هذه الدولة القدرة على إيجاد مصدر طاقة مستقر وبكلف أرخص، فكل العالم سار في هذا الأمر، فهي عبارة عن رسالة تقول ان من طرق باب الطاقة النووية خلال الخمسين عاما الماضية هم المتقدمون صناعياً واقتصادياً وأيضاً علمياً. والعالم العربي للأسف عزل عن هذا الامر.

الآن سارت الأمور لخمسين الى ستين سنة، وكانت الفكرة أن العالم العربي غني بالنفط والغاز، فلماذا يطرق مجال الطاقة النووية. وأعتقد أن هذا الطرح خاطئ، لأن الأمة الواعية التي لديها نفط وغاز تستثمر هذه الطاقة بما يتأتى لها من موارد لتنتقل إلى عصر جديد وهو عصر الطاقة النووية، فهذا لم يتم، لكن أعتقد أنه بدأ يحدث في العالم العربي، فلذلك كون لديك نفط وغاز فهذا لا يعني ألا تطرق هذا المجال.

الأمر الآخر الذي حصل خلال العقود الماضية أنه حصل أيضاً جمود في التقدم العلمي والتكنولوجي، هذا أيضاً لم يدفعنا للتطور صناعياً وتكنولوجياً سواء في مجال الطاقة أو مجالات أخرى، لأنها جميعها تسير بخط متواز. عودة إلى كوريا، كوريا انتقلت من مجتمع زراعي، والولايات المتحدة الأميركية كان لها جهد كبير في ذلك وساعدت كوريا لأسباب الحرب الباردة وصد المد الشيوعي من كوريا الشمالية. وكانت كوريا هي إحدى القلاع الأساسية وأحد خطوط التماس الأولى مع المد الشيوعي، فكان هناك مصلحة لدى الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية أن تدعمها، ونقلت لها التكنولوجيا النووية وكل العلوم وساعدتها، لكن، واضح في مطلع القرن الحالي أن مصادر النفط والغاز في هذا العصر بدأت بالنضوب وتشير إلى أن عصر النفط بدأ بالانحسار، وأسعار الطاقة بدأت ترتفع، وبدأت الدول تتنافس بين بعضها البعض على السيطرة على منابع النفط والغاز، وهذا الأمر لا يخفى على أحد، فالحروب في العالم والحروب في الشرق الأوسط بالذات منذ الخمسين عاماً الماضية ارتبطت أيضاً بالصراع على النفط والسيطرة على منابع النفط، لكن، واضح أن هذه أصبحت واضحة أكثر في مطلع القرن الحالي.

الآن، منذ عام 2003، وبعد دخول أميركا للعراق، قفزت أسعار النفط بشكل كبير جداً. إذا نظرنا إلى أسعار المواد التي تزود الطاقة أو تعتمد على الطاقة فجميعها قفزت معها، فأي شيء ارتبط بالطاقة قفز سعره، وأريد أن أركز هنا حتى على اليورانيوم، فاليورانيوم حتى عام 2003 كان سعره يباع بـ 7 دولارات لكل باوند، من عام 2003 إلى عام 2007 قفز من 7-8 دولارات لكل باوند إلى 135 دولارا على الباوند، لأن الدول مثل الصين والهند وروسيا أصبحت تعتقد أن مستقبلها إذا أرادت أن يكون آمنا فيجب أن تنوع في مصادر الطاقة، ويجب أن تنتقل أيضاً إلى نماذج جديدة لتوليد الطاقة، والطاقة النووية هي أحد بدائل هذه الطاقة، لذلك منذ عام 2003 عاش العالم ما يطلق عليه فترة الانبعاث النووي أو النهضة النووية، فبدأ العالم في 2003 يندفع نحو الطاقة النووية وبشكل قوي جداً.

وكالة الطاقة الذرية.. هناك 32 دولة منذ الحرب العالمية الثانية، منها الدول الخمس الكبرى التي سخرت الطاقة النووية في مجال عسكري وأيضاً في المجال المدني، وهم الأعضاء الخمسة في النادي النووي، لكن غير هؤلاء لدينا أيضاً 27 دولة موجودة في اميركا الشمالية وآسيا، مثلاً كندا، وكوريا ولدينا دول أوروبية مثلاً إيطاليا والدول الاسكندنافية ودول أوروبا الشرقية كان لديها طاقة نووية وتسير بها دون أن تدخل المجال العسكري، لكن بعد عام 2003، بالإضافة إلى الـ 32 دولة هناك 42 دولة بدأت جدياً تدرس موضوع الطاقة النووية كأحد بدائل الطاقة، ومن ضمنها كثير من الدول العربية منها مصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة التي وقّعت الآن على عقد إنشاء أربع محطات نووية بكلفة 25 بليون دولار، كل محطة 1400 ميجاوات، 5600 ميجاوات للأربع محطات، اي ضعف ما ننتجه من كهرباء في الأردن الآن، وأيضاً تركيا، ولدينا المملكة العربية السعودية.

فاتورة الطاقة

نحن عانينا كما تعلمون جراء انقطاع النفط العراقي، حيث كان يصلنا نصفه مجاناً، وكان النصف الآخر يصلنا بأسعار أقل من الأسعار العالمية ، فموضوع الطاقة بالنسبة للأردن لم يكن مشكلة، وانتقلنا من عام 2003 إلى 2004 وما بعد وأسعار الطاقة تزيد باستمرار. الأردن يبحث عن مصادر نفط، بدأت فاتورة الطاقة ترتفع ووصلت إلى 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بكل المقاييس هذا الرقم خطر جداً، لأن أي دولة صناعية في العالم فاتورة الطاقة لديها لا تتجاوز 3-4 بالمائة، فنسبة 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي تذهب لفاتورة الطاقة، فانتقلت من دولة تستورد النفط نصفه مجاناً والنصف الآخر بـ9 دولارات إلى الآن حيث نشتري النفط بـ114 دولارا للبرميل، فبالتأكيد الأردن منذ عام 2003 جاءته صدمة أسميها صدمة الطاقة.

الصدمة الأولى كانت في عام 1990، وكلها ارتبطت بالتقلبات والحروب السياسية في المنطقة، غزو العراق للكويت وانقطاع النفط الذي كان يتدفق لنا في التابلاين من المملكة العربية السعودية، وانتقالنا للاستيراد من مصادر أخرى لفترة محدودة ، ومن ثم انتقلنا للعراق، والعراق كان له مصلحة في ذلك الوقت لأن الأردن كان متنفسه ورئته، سرنا (13) سنة وبعد ذلك انقطع المصدر، فأصبح مصدرنا السوق العالمي وفاتورته أصبحت مكلفة، لذلك الدولة وعلى رأسها جلالة الملك بدأت بتفكير فعلي في وضع أطر جديدة لتوليد الطاقة وإيجاد مصادر بديلة للطاقة في الأردن، وأهم شيء أننا الآن نستورد 96 بالمائة من طاقتنا من الخارج، فبأي مقياس تستطيع أن تستمر، لذلك كانت الفكرة تنويع مصادر الطاقة وزيادة إجمالي الطاقة المولد محلياً إلى 40 بالمائة عام 2020، لأنك لا تستطيع أن تبقى عرضة لتقلبات سياسية، ولذلك وضعت الاستراتيجية الوطنية للطاقة، وهدفت إلى تنويع مصادر الطاقة وزيادة حصة انتاج الطاقة المولدة محلياً، والاستثمار في الصخر الزيتي والبحث عن مصادر جديدة للغاز في الأردن، استثمار في الطاقة المتجددة: الشمس والرياح، وأيضاً الطاقة النووية كأحد الأركان الأساسية لتوليد الطاقة في الأردن في المستقبل المنظور، نتحدث عن 8-10 سنوات، وسارت الحكومة والدولة في هذا الاتجاه، والآن لدينا ثلاث شركات تشتغل بالصخر الزيتي، اثنتان تعملان في التقطير السطحي، الشركة الاستونية والشركة البريطانية، وهناك شركة شل تعمل بالتسخين الموقعي، وعلى مدى عشر سنوات ستعمل على انتاج النفط من خلال التسخين المباشر بالموقع للصخر الزيتي العميق، هذه التقنيات تحتاج إلى وقت كبير لتبدأ العمل، وأيضاً نحتاج مصادر طاقة كبيرة.

تحلية المياه

هناك مشكلة أخرى هي مشكلة المياه، فالآن لدينا شح في المياه، فإذا لم ننتقل إلى تحلية المياه ما بعد مشروع الديسي هناك مشكلة، ولكي نحلي المياه الآن نحتاج إلى طاقة، كميات كبيرة ضخمة من الطاقة، وأيضاً طاقة رخيصة، لذلك جاء التفكير بالطاقة النووية كمصدر ضخم من الطاقة، كطاقة عندما تولّد ستكون مجدية اقتصادياً نظراً لاقتصاديات الحجم ، لأن كل وحدة نووية ستولد ألف أو 1100ميجاوات، الآن أكبر وحدة توليد كهرباء في الأردن 140ميجاوات، لدينا معدل الوحدة 75 ميجاوات، لكن وحدتين نوويتين تولدان كل كهرباء الأردن، لذلك نصحنا بالاستثمار في الطاقة النووية كطاقة شديدة الكثافة وتتموضع في حيز محدود، وبنفس الوقت كلف توليد الكهرباء تكون أقل مقارنة بمصادر أخرى، ومن هنا جاء التركيز على المفاعل النووي.

ساعد على هذا الأمر وجود خامات اليورانيوم في الأردن، لأنه معروف بأن الفوسفات الأردني موجود فيه اليورانيوم، إضافة لذلك هناك اكتشافات تمت في التسعينيات من قبل سلطة المصادر الطبيعية، وجدت أن هناك توضعات لليورانيوم، وهناك خامات موجودة في منطقة وسط الأردن، وهي سواقة وخان الزبيب ووادي مغار والعطارات، إضافة الى أن هناك دراسات أخرى حيث وجدنا يورانيوم في منطقة غرب الحسا، بالإضافة إلى وجود اليورانيوم في عدة مناطق من جنوب المملكة.

مشكلة التمويل

هناك أسئلة عدة تطرح في الشارع الأردني، أولها أن هذه الطاقة مكلفة جداً، ومن أين سنأتي بالمال، وحينها سندخل في الديون. صحيح أن الاستثمار الرأسمالي في الطاقة النووية مكلف.. نتحدث عن كل محطة 1000 ميجاوات نتحدث عن أننا نريد من 4-5 بلايين دولار، لكن أريد أن أقول انه حتى الاستثمار في موارد أخرى من الطاقة، حتى الصخر الزيتي، عندما نتحدث عن محطة نريد أن نقوم فيها بالحرق المباشر للصخر الزيتي، أيضاً سنتحدث عن مبلغ 3 بلايين دولار، فعندما نتحدث عن استثمارات ضخمة في الطاقة نتحدث عن بلايين، فمشروع شل يتحدثون به عن عشرات البلايين، نحن نتحدث عن محطة نووية، وهذه المحطة ستكون كلفتها 4-5 بلايين دولار، لكن أيضاً نتحدث عن هذه المحطة بأنها ستعطينا 1000 ميجاوات مرة واحد، أي أن محطتين ستعطيان كل كهرباء الأردن الآن، وبنفس الوقت كلفة الكهرباء النووية هي الأرخص بين كل كلف الطاقة الأخرى، ولذلك قلنا إذا استثمرنا في الطاقة النووية، لدينا حجم كبير من الطاقة، يورانيوم موجود في الأرض، ومصدر الوقود يكون تحت يدينا، فاقتصادياً هي مجدية أكثر، وثروة استراتيجية مطلوبة.

أقول ان وجود نفط وغاز يجب أن يكون حافزا لنستثمر هذه الثروة، لنبدأ بنموذج جديد. صحيح أن الطاقة النووية هي استثمار رأسمالي ضخم، لكنها تعيش معك 60 عاماً، وأي محطة عادية تعيش معك 25-30 سنة، والاهم من ذلك أن كلفة الكهرباء هي الأقل.

هناك سؤال يقول: من أين نحصل على هذه الأموال؟ سواء ذهبنا إلى طاقة نووية أو صخر زيتي أو غاز فنحتاج إلى استثمار رأسمال، ونحن نشتغل الآن على مصادر تمويل. الآن الحكومة تذهب إلى صناديق في الخليج، وصناديق عربية وإسلامية، ونبحث عن مستثمرين خليجيين، بالإضافة للحكومة، فالحكومة التركية طرحت عطاء واستقطبت شركات روسية، أربع محطات نووية، كل محطة 1200 ميجاوات، جميعها ستبنى على حساب الشركات الروسية كاملة، دون أن تتحمل الحكومة التركية أي نفقات، على مبدأ الـ BOOT.

بالطبع، هناك اعتبارات سياسية وحسابات.. ففي النهاية صاحب القرار وكقيادة تضع خيارات، هل مصلحة الدولة أن تسير بهذا الخيار من ناحية اقتصادية وناحية سياسية أم نسير بمزيج.. بالتأكيد الحكومة لن تملك هذه المحطة مائة بالمائة لأن هذا من ناحية التمويل غير وارد، وثانياً نحن نريد مشغّلا دوليا ومستثمرا عند البدء بتشغيل المحطة يكون لديه الخبرة لننهض بإدارة هذه المحطات على مستويات عالية، فهناك أيضاً عامل فني وتقني بالإضافة إلى العامل المالي.

نقول ان الحكومة يمكن أن تمتلك، وهذا الامر قامت بحسابه وزارة المالية، فيمكن أن تمتلك من 25 بالمائة إلى 51 بالمائة، لكن الأفضل كما أعتقد، وهذا رأي شخصي، أن يكون لك نصيب في هذه المحطة، فأنا لا أتفق بأن نأتي بممول خارجي او دولة لتبنيها كاملة، لسبب هو أن هذه المحطة مرفق استراتيجي يجب أن تكون الدولة مسيطرة عليها من ناحية التشغيل والأمان، هذه المحطات ستورد لك دخلا ماليا كبيراً.

اتفاقية التعدين مع شركة أريفا

الدستور: نود أن نستمع إلى توضيح حول شركة أريفا واتفاقية التعدين التي وقعتها الحكومة معها.

طوقان: أريفا مملوكة للحكومة الفرنسية، فهي شركة حكومية، فأريفا عبارة عن الوجه التجاري للمجمع النووي الفرنسي، وهي مملوكة بالكامل للحكومة الفرنسية، والحكومة الفرنسية كان تخطيطها أن تأخذ الريادة في الطاقة النووية في العالم، فلذلك نجد الآن في أميركا هناك شركات متخصصة في التعدين، وشركات لبناء محطات نووية، وشركات لمعالجة الوقود النووي.

الفرنسيون جمعوا كل شيء نووي سلمي من استكشاف يورانيوم إلى تعدين إلى بناء محطات نووية إلى توليد كهرباء نووية ومعالجة وقود نووي ونفايات نووية تحت مجمع اسمه أريفا.

نحن الآن بدأنا معهم في منطقة وسط الأردن في موضوع استكشاف وتعدين اليورانيوم، فقلنا لمصلحتنا إذا أخذنا نظرة استراتيجية ونظرة على المدى البعيد أننا نريد ليس فقط أن تقتصر شراكتنا على نشاط استكشاف وتعدين اليورانيوم، بل نحن نتحدث عن مشروع 80-100 سنة، لذلك قلنا نبدأ بموضوع استكشاف وتعدين اليورانيوم، لكن مستقبلاً نقوم بعمل هذا جسرا للعبور للطاقة النووية والمحطات النووية، فأريفا لديها نشاط من استكشاف وتعدين واستخراج اليورانيوم إلى بناء محطات نووية.

الآن لدينا ثلاثة عروض لمحطات نووية، لدينا عرض فرنسي ياباني مشترك، محطة أتميا بـ 1100 ميجاوات، ولدينا عرض روسي بمحطة 1000 ميجاوات، ولدينا عرض كندي تدعمه شركة صينية بـ750 ميجاوات، لكن ضمن عطاء، لأنني قرأت لبعض الإخوة الذين كتبوا وقالوا بأننا اخترنا أريفا، والواقع أن العطاء موجود الآن وهو قيد الدراسة.

في الاتفاقية طلبنا من أريفا بألا يأخذوا اليورانيوم الأردني ويقوموا بتعدينه لأن هذه مادة استراتيجية وثروة، ويرحلوا بعد ذلك، بل يجب أن يلتزموا معنا بالسير بالبرنامج النووي كاملاً وعلى أسس تنافسية، فإذا دخلوا على اليورانيوم في الأردن عندما نريد أن نطرح نحن عطاء المحطة النووية عليهم أن يقدموا لنا العطاء، لأن اليورانيوم بالنسبة لنا جسر للطاقة النووية. فألزمناهم بالتنافس، وهذا ما تم، فنحن طلبنا التزاما بتقديم عرض، وهذا ما تم وتحقق في الاتفاقية، ولكن ليس كما قال البعض «تلزيم أريفا المحطة النووية».

استراتيجية دولة

الدستور: لكن، ليس هناك فقط اعتراضات داخلية، بل هناك اعتراضات إقليمية ودولية، ويبدو ان هذه الاعتراضات وصلت إليك، بأن وجودك على رأس برنامج الطاقة النووية أو البرنامج النووي الأردني عليه علامة سؤال، وكأنك المستهدف شخصياً لاعتبارات مختلفة، وهذا ما تم تداوله في ويكليكس وغيره، فما هو ردك؟.

طوقان: هذا برنامج وطن وبرنامج دولة، والاستراتيجية استراتيجية دولة وليست استراتيجية لشخص وليست مرتبطة بشخصي أو بشخص آخر، فهذه استراتيجية دولة وتخطيط دولة.

في عام 2011، وفي ظل انقطاع الغاز المصري تعلمون ما الخسائر التي تكبدتها الدولة، فلذلك استراتيجية الطاقة استراتيجية وطن. الآن نتحدث عن الطاقة النووية وهي احد خيارات التنوع في مزيج الطاقة الأردني وهو مطلوب، بالنسبة لي أعرف بأن هناك قواعد دولية، فهذا دراستي وتخصصي وعلمي، هناك اتفاقيات نووية في العالم، وهناك اتفاقية الحد من الانتشار النووي، الأردن دخلها في عام 1974، بحيث تخضع المنشآت النووية لتفتيش الوكالة الدولية، وهو تفتيش منضبط. في التسعينيات ظهر اجتهاد جديد مع برنامج العراق النووي، حيث طرحت الدول الغربية ما أسموه بروتوكولا إضافيا، هذا أيضاً تفتيش فوق التفتيش، ويستطيعون الدخول الى أي بقعة في أرضك، ونحن وقعنا على هذا البروتوكول، وبالمناسبة هناك دول عربية لم توقع عليه، فمثلاً مصر لم توقع والسعودية أيضاً، لكن نحن وقعنا، فأعتقد أن الأردن قدم من الضمانات ما يزيد عن كل المطلوب، بمعنى آخر، لا يمكن لأي حكومة أن تسير ببرنامج غامض وسري لأنك خاضع للتفتيش بأي لحظة وأي بقعة من أراضي الدولة وخاضع للتفتيش الدولي.

الآن ضمن الـ NPT (معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية) لك الحق كدولة أن تتمتع بكل الفوائد الاقتصادية للطاقة النووية، وضمن الـ NPT لك الحق في التخصيب، ولك الحق في معالجة الوقود النووي، ولك الحق في اقتناء أي تكنولوجيا نووية حساسة كائنة ما كانت ضمن نظام ضمانات الوكالة، وهذا حق لك أن تنعم كمجتمع من الفوائد المجنية من الطاقة النووية، وهذا ليس حقا يعطى، بل هو حق لك.

الآن نحن وقعنا 12 اتفاقية دولية مع كبار الدول، مع الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا ووقعنا مع اسبانيا والأرجنتين وكوريا وكندا وايطاليا واليابان ومع رومانيا وتركيا، وكلها كان المبدأ الأساسي فيها هو الـ NPT، نقول بأننا نلتزم، وهذا ما تم لأن هذا حقك.

في عام 2008 تفاوضنا مع الولايات المتحدة الأميركية على الاتفاقية التي تسمى الاتفاقية النووية المعيارية، وذهبنا كفريق عام 2007 وجئنا باتفاقية مصر الموقعة مع الولايات المتحدة الأميركية في عام 1981، وجئنا باتفاقيات مع رومانيا ودرسناها بشكل صحيح، وجلسنا وسألناهم عن الاتفاقية، وأخبرناهم بان لدينا اتفاقيات أيضاً تحترم الـ NPT، وقرأناها وجئنا بمستشارين دوليين واستشرنا محامين لنا ولدينا خبرة أيضاً، وقعنا هذه الاتفاقية بالأحرف الأولى في عام 2008، وهي موجودة وأنا وقعت عليها ووقعها مندوب عن الخارجية الأميركية على أساس أنه بعد ثلاثة أشهر توقع رسمياً وننتهي من الأمر، فبقي فقط الأمر البروتوكولي، حيث أن جميع الأمور السياسية والفنية انتهينا منها، وكانت اتفاقية متوازنة وتحفظ كل حقوقنا كاملة.

بعد تسعة أشهر عادوا باتفاقية أخرى، وبتعديلات جذرية على الاتفاقية التي تمت، وقيل لنا في حينها ان هناك اتفاقية جديدة، بعد سنة تقدمت السفارة الأميركية بنسخة جديدة من الاتفاقية ولكن هناك تعديلات، فصول كاملة في الداخل، وقيل لنا بأن هذا ما نسميه الآن النموذج الذهبي الذي وقعت عليه دولة عربية وهذا ما نطلب منكم أن توقعوا عليه.

عندما تمت قراءتها وجد تغييرا في سطرين أو ثلاثة، لكن عندما تقرأ وتدخل في الجوهر وإذ بهم قد أسقطوا كل حقك الدولي تحت اتفاقية الـ NPT، ممنوع التخصيب وممنوع معالجة الوقود النووي، وممنوع أية تكنولوجيا نووية حساسة..الخ، فرأينا أن هذا بحاجة للدراسة، فغبنا شهرا وبعد التحليل وجدنا أن هناك تخليا قانونيا عن حقوق الدولة في الـ NPT فكتبنا لهم وأبلغناهم برفضنا لعدة أسباب، أولاً قلنا لهم بأنهم يخشون من الانتشار النووي، لكن نحن باتفاقية الـ NPT أبوابنا مفتوحة في أي وقت، ثانياً أتينا بأريفا لتعدن اليورانيوم، ونحن طرحنا المحطة النووية ونقول بأن تأتوا بشركة من شركاتكم لتشغل معنا المحطة، فلا يوجد مخاوف من انتشار نووي، فنحن نعتقد بان النموذج المقترح سيحرمنا من منافع اقتصادية، فكيف نستطيع ان نسقط حقا لعشرات السنين، ونحن دخلنا من منظور اقتصادي بحت، فهذا أولاً يكبل الأيدي، فكان جوابنا بالرفض لأن هذه منافع اقتصادية ستسقط بالكامل وستكبل أيدينا ويمكن ان نقع في المستقبل تحت احتكار بتزويدنا للوقود، ويمكن أن نقع تحت احتكار باللعب بأسعار الوقود، ويمكن أن تحرم الدولة مستقبلاً من منفعة اقتصادية ضخمة جداً، لأنه في المستقبل يمكن بناء بنك وقود نووي دولي للعالم العربي يمكن أن يكون الأردن مقره.

الآن لدينا 12 اتفاقية وطرحنا عطاءات، ونقول اننا على استعداد للتوقيع مع أي دولة ولكن ضمن الشروط الدولية «الـ NPT».

موقف البرلمان الياباني

الدستور: فيما يتعلق بالكتاب الأبيض، معروف أن أي حكومة أو دولة تصدر كتابا أبيض فمعنى ذلك أنها دولة متهمة، وهناك ضبابية، فتلجأ الحكومات لإصدار هذا الكتاب تحت مسمى الكتاب الأبيض، فهل نحن متهمون بموضوع الطاقة النووية حتى نصدر كتابا أبيض؟.

ثانياً فيما يتعلق بموقف البرلمان الياباني من دعم مشروع الطاقة النووي الأردني، يبدو أن هناك موقفا رافضا لهذا الموضوع، فنرجو منك التوضيح.

طوقان: بريطانيا لها كتاب أبيض، واليابان كذلك، وكل دولة طرقت المجال النووي، فليس معنى ذلك أنها متهمة، وأيضاً استراليا، فهذه دول تقول ما هي سياستها في معالجة النفايات النووية وفي معالجة موضوع التخصيب وفي موضوع الطاقة النووية.

ما تم تناقله حول البرلمان الياباني كله خطأ بخطأ، فالبرلمان الياباني لم يرفض اتفاقية الأردن، فما ذكر غير صحيح. البرلمان الياباني كان مطروحا أمامه أربع اتفاقيات، روسيا والأردن وكوريا الجنوبية وفيتنام، وبالمناسبة البرلمان الياباني غرفتان، في شهر 12 العام الماضي ذهبت الاتفاقية للغرفة العليا وأقرها، كان مفروضا أن يناقش اتفاقيتنا في الغرفة الأخرى في نهاية آذار. ضرب فوكوشيما والأمور كانت ساخنة، بعد فوكوشيما الآن هناك جدل على الطاقة النووية، يوجد برلمانيان اثنان، وهذان سيزوراننا، الآن يأخذان خطا معارضا داخل اليابان للطاقة النووية، يقولان للحكومة اليابانية بأنه ما دام لدينا جدل حول الطاقة النووية في اليابان، فسياسة تصدير التكنولوجيا النووية اليابانية للخارج يجب أن نوقفها حتى نعالج موضوع الأمان النووي داخل اليابان، فموقفهما له علاقة بالصراع داخل اليابان نفسها، وليس له علاقة بالأردن.

رسمياً، اتفاقيتنا ستعرض الآن في الدورة العادية للبرلمان الياباني، وسفيرنا في طوكيو السيد ديماي حداد أخبرني بأنه حصل نقاش داخل اللجنة المتخصصة وطلبوا تأجيل البحث فقط، ولم ترفض، وجمّدت اتفاقيات روسيا والأردن وكوريا وفيتنام لأسباب يابانية داخلية، وكما قلت فان هناك اثنين من أقطاب المعارضة اليابانية ضد البرامج النووية سيزوران الأردن ونجتمع بهما، وسيكون هناك حوار فني، وطلبا زيارة الموقع وسنهيء لهما ذلك، لكن هذا له علاقة بظروفهم الداخلية. الآن هم أحرار، في اتخاذ القرار.

الدستور: الجميع يعلم حجم المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للأردن، وهناك عدد من المواقف لوحت من خلالها الولايات المتحدة بموضوع المساعدات تجاه الأردن، ما هو الوضع الآن في حال استخدمت الولايات المتحدة ورقة الضغط بالمساعدات في هذا المشروع تحديدا؟.

طوقان: هذا السؤال لست مخولا بأن أجيب عنه، وليس هذا اختصاصي، فهذا يمكن أن يجيب عنه وزير المالية، ، وزير التخطيط، . نحن موقفنا واضح وينسجم مع المعايير الدولية ومع الأعراف الدولية. وبصراحة موقفنا هو الحق والصواب، لكن هذه الأمور الأخرى وزير التخطيط ووزير المالية هما اللذان يستطيعان الإجابة عنها.

موضوعياً نحن نقول ان الأردن عضو في اتفاقيات دولية عالمية وله حقوق فيها، هو له حقوق ضمن هذه الاتفاقيات الدولية، فما الحجة او المنطق أن تتخلى عن حقوق ضمن الاتفاقيات الدولية إن دخلت باتفاقية ثنائية مع أي دولة كانت.

نحن الآن نتحدث عن فترة تحضير لمشروع ضخم للمحطة النووية. هناك دراسات لموقع المحطة، واختيار التكنولوجيا واستقطاب المستثمر، والآن لدينا مستشار دولي ومالي سيعمل معنا على موضوع تمويل المحطة، وهذا بحاجة إلى عامين من الدراسات، وبعد أن ينتهي هذا الأمر يوضع الملف على الطاولة، فإذا كانت الدولة قادرة ولديها شروط التمويل والشروط الفنية فنأتي ونوقع على عقد إنشاء المحطة النووية، لكن قبل التوقيع عليه سيذهب إلى البرلمان لبحث المشروع والموافقة عليه، لأن هذه مسؤولية وطنية.

صورة ضبابية

الدستور: رغم أن كل شيء تحت الضوء وسيذهب للبرلمان، فإن الصورة ضبابية عند المواطن العادي، وهذا الطرف الآخر المعارض للفكرة يتحدث عن تلوث البيئة وهدر ثروات الأردن، فحملة ملف المشروع يجب أن يصلوا إلى المواطن العادي من خلال تبسيط الفكرة وتوضيح الفوائد التي سيلمسها المواطن بعد سنوات من هذا الموضوع، والفائدة التي سيجنيها المواطن من هذا المشروع.

طوقان: صحيح، الآن سيكون هناك خطة توعية وخطة إعلامية شاملة على مستوى الوطن للتعريف بكل جوانب المشروع، الآن الورقة البيضاء بعد أن توضع بصيغتها النهائية ستقدم إلى مجلس الوزراء للاطلاع عليها ودراستها وتنقيحها ومن ثم اعتمادها، وسيكون هناك حملة لنشر كل هذه المعلومات في الورقة البيضاء، وسيكون هناك فريق إعلامي متخصص داخل هيئة الطاقة الذرية، والتركيز على وسائل الإعلام المختلفة، التلفزيون والصحافة والمواقع الالكترونية وحوار مع الشباب والتوعية حتى تنقل المعلومة الصحيحة، فهناك خطة توعية مجتمعية وإعلامية كاملة سننهض بها اعتباراً من الشهر القادم، وفي النهاية سيكون الأمر واضحا للجميع، واتفاقية الإطار العام للمحطة النووية ستطرح على البرلمان, وأؤكد هنا أن أي اتفاقية لبناء أي محطة نووية يجب أن تحظى بتوافق وطني عام.

الخوف من السرطان

الدستور: بالنسبة لنقل الموقع إلى منطقة المجدل، هناك عدم رغبة شعبية واضحة الآن حيث حصلت مسيرات شعبية في المنطقة، وهم يتخوفون من موضوع السرطان.

طوقان: قضية السرطان بموضوعية ليست صحيحة علمياً. الآن ضمن الحملة التوعوية ترتب الهيئة مع الحكومة لفريق متخصص من برلمانيين وصحفيين وقادة رأي لزيارة محطات نووية عاملة في دول صناعية للاطلاع، فأنا زرت العديد من المحطات، وهناك محطات قريبة من المدن والبلدات، فالمحطة النووية ليست جسما مشعا كما يعتقد الناس.

عندما ضرب الزلزال فوكوشيما كان موقعها على المحيط، فهذه المحطات في العالم نجدها بجانب بحار ومحيطات ضخمة، لأنهم بالعادة يعتمدون دائرة التبريد المفتوح. نحن لدينا شريط ساحلي محدود، بدأنا ندرس بالاحتمال الدارج جنوب شرق العقبه وعلى بعد (12) كيلو متر شرق الساحل، لكن العقبة مزدحمة فهي مرفق سياحي و مرفىء تصدير فوسفات واسمنت وبوتاس إضافة إلى استيراد الغاز والنفط، فهناك محددات، وهناك أسباب فنية أخرى درسناها. وجدنا نموذجا في الولايات المتحدة الأميركية، موجودا في صحراء اريزونا، وعاملاً من عام 1986، والمهندسون الذين صمموه أذكياء جداً، فبدلاً من أن يكون في المحيط ذهبوا إلى الصحراء، فجاؤوا بالماء، حيث ان مدينة بالو فيردي تأتي بالمياه العادمة ويكررونها ويبردون المحطات، ليس مباشرة بل بواسطة دائرة التبريد المغلقة من خلال أبراج تبريد، فوجدنا المحطات بأبراج تبريد في الصحراء جيدة. درسنا كميات المياه فوجدنا أنها كافية. وهناك ميزة أخرى، فعندما ذهبنا إلى الصحراء وجدنا أن الصحراء باردة في الليل، وهذا يساعد نظام التبريد في المحطة.

المياه اللازمة

الدستور: ماذا عن كميات المياه اللازمة للتبريد؟.

طوقان: أريفا وميتسوبيشي بنتا 100 محطة نووية وقد حسبتا أننا نريد 25 مليون متر مكعب سنويا لـ 1000 ميجاوات. إذا أردنا محطتين نحتاح 50 مليون متر مكعب فقط مياها معالجة لتدخل أبراج التبريد.

الآن الخربة السمراء تعطينا 60 مليون متر مكعب في السنة، وخطة الحكومة أن تتوسع إلى 120 مليون متر مكعب. نقول اننا لا نريد الدخول على حصة المزارع من المياه، وأكثر شخص متحمس لهذا المشروع هو وزير المياه، وهو الذي طلب بأن تكون المحطات هناك، وهو الذي قال بأنه يريد الطاقة النووية حتى تحل له مشكلته، لأنه يعلم بأن مشكلة المياه في الأردن لا يمكن أن تحل إلا من خلال طاقة رخيصة و ضخمة.

الغاز المصري

الدستور: بالنسبة للغاز المصري، ماذا حدث، وإلى أين وصلت المفاوضات، هل المصريون مصرون على رفع السعر؟.

طوقان: بالنسبة للغاز، منذ مطلع هذا العام تذبذبت إمدادات الغاز المصري بشكل كبير جداً، لكن لدينا تقريباً 90 يوما انقطاعا كاملا نتيجة انفجارين رئيسيين امتدا، الأول امتد 38 يوما لإصلاحه والثاني 40 يوما، وهذا ارتبط بالحالة الأمنية في مصر، وأيضاً كان نظام حماية الخط تقوم به الشرطة المصرية.

واضح أنه عندما حصلت الأحداث الأخيرة في مصر أصبح إهتمام الشرطة المصرية بالقضايا الداخلية، ، ولهذا قامت بعض الفئات بنسف الخط.

في شهر تموز كان يصلنا ما معدله 50 مليون قدم مكعب، والمفروض أن يصلنا 260 مليون قدم مكعب يوميا حتى «نكون في السليم». في آب قاموا بزيادته إلى 80 مليون قدم مكعب من خلال الضخ التجريبي، ومع مطلع هذا الشهر تم زيادة الضخ التجريبي الى 100 مليون قدم مكعب، فهناك بوادر انفراج. وقضية تعديل سعر الغاز لم تبدأ من اليوم، بل بدأت من مطلع 2010.

في عام 2003 و2004 كانت دولة كالأردن تستورد الكهرباء عندما كان سعر النفط 22 دولارا نصفه مجاني والاخر بنصف السعر لم يكن أحد يهتم بالغاز المصري لتوليد الكهرباء، وعليه قام الجانب المصري بإعطاء عرضا غير قابل للرفض، فأعطانا سعرا لـ 18 عاما. وفي تلك الأيام كان السعر 18-19 دولار/ برميل، وإذا ارتفع السعر في المستقبل لخمسين دولارا مثلاً فسيكون السعر ثابت بسقف 32 دولارا. عندما بدأ سعر البترول يرتفع بعد عام 2003 حتى مطلع عام 2010، ومنذ عام 2009 خلال تولي الوزير خلدون قطيشات وزارة الطاقة بدؤوا يقولون اننا نريد تعديل السعر، وأيام الوزير خالد الإيراني أرادوا تعديل السعر، فكانت هناك مفاوضات شاقة، لكن هناك اتفاقية وكان الطرح من طرفنا بأن يثبتوا أسعار الغاز بالاتفاقية الأصلية، وبالمقابل سنعطيهم سعرا تشجيعيا على الكميات الإضافية فنعادل السعر.

ما حصل أنهم وافقوا بعد مفاوضات شاقة، وفي نهاية عام 2010 وافقوا على ألا يغيروا سعر الغاز في العقد الأصلي، لكن أن يضعوا سعرا كبيرا للكميات الإضافية، بحيث يصبح سعر الغاز عادلاً للطرفين، وتم التوقيع عليها بالاحرف الأولى، ولكن هذه الاتفاقية لم تنفذ.

حصل ما حصل منذ شهر شباط 2011، استمرت الحكومة المصرية بالمطالبة بتعديل سعر الغاز في الاتفاقية الأصلية على اعتبار أنهم يعتبرون أن سعر الغاز ليس عادلا، وكانت الفكرة أن هناك ضغطا من الشارع المصري وضغطا سياسيا وأنه لا يمكن لهم أن يستمروا بهذه الأسعار، فالرأي العام المصري سيرفضها تماماً، كما بينوا أنهم سيقومون بتعديل كل أسعار الغاز لجميع الدول المستوردة قاطبة، وهذا بالفعل ما تم، حيث باشروا بذلك.

عندما جاؤوا إلينا جلسنا معهم وجرت مفاوضات على مدار ستة أشهر، كان موقفهم أنهم لا يستطيعون أن يواجهوا الرأي العام المصري وعليهم ضغط ولا يمكن أن يستمروا بتلك الأسعار، وهم يفاوضون كل الأطراف. بالنهاية توافقنا أولاً على أن تبقى الاتفاقية الأصلية كما هي، لأن هناك شروطا قانونية وشروطا جزائية بهذا الصدد، وقلنا لهم من ناحية سياسية ومن ناحية رأي عام قمنا بعمل اتفاق جانبي معهم نوافق فيه على تعديل سعر الغاز، بما تعتقدون بأنه عادل للطرفين، لكن شريطة أن يلتزموا معنا بكميات الغاز ، حيث تم التوافق على الاتفاق الجانبي.

الدستور: في ملف الغاز، الاتفاقية الأم أيام النظام المصري السابق، هل كان هناك خلل في الاتفاقية الأم؟.

ثانياً: مصر تطمح إلى إيصال هذا الغاز إلى أوروبا من خلال الأردن، فمرور الغاز من جنوب الأردن إلى منطقة رحاب في الشمال، ألم يكن له معطيات؟.

طوقان: أولاً من شهرين لم يمر سوى كميات محدودة جداً الى سوريا، لكن كل ما مرروه من ضمن الاتفاقية هناك رسوم نأخذها، فالاتفاقية كانت ممتازة جداً.

يبدو كما فهمنا أنه كان هناك اعتقاد بأن هناك طاقة استيعابية كبيرة جداً للتصدير إلى سوريا وتركيا، وهذا ما تم. الآن واضح أن مصر كل ما تنتجه من غاز توجهه للداخل، وبالذات توليد الكهرباء، نحن مثلاً في عام 2009 كان 80 بالمائة من كهربائنا على الغاز وكان الوزير المصري يقول لي بأنه يشتغل على 50 بالمائة، وقبل أيام صرح بأنهم وصلوا إلى 80 بالمائة من الكهرباء بالغاز المصري، فالآن لم يعد يفكر الجانب المصري بالتصدير على حساب السوق المحلي في مصر.

أقول: أنا متفائل، فالآن حفرياتنا في الريشة والنتائج خلال سنة، وأعتقد أن هناك فرصا بأنه من الممكن أن يكون هناك أمل.

بالنسبة للعراق، لديهم مخزون، فالعراقيون لديهم 65 منطقة واعدة للنفط، يوم الأحد الماضي قاموا بتسويق 12 منطقة في العراق، وهذه الجولة الرابعة من التسويق، فسينتجون 12 مليون برميل يومي.

ثانياً كل نفط يرتبط بغاز، وللعلم فالغاز الذي يحرقونه في العراق يعادل ضعفي استهلاكنا. فالمستقبل السياسي للعراق مهم جداً من ناحية الطاقة، وهذا البلد غني جداً بالنفط والغاز، وإذا استقرت أموره فسيكون عملاقا.

الدستور: هل هناك استثمار قطري لإنشاء محطة غاز في العقبة؟.

طوقان: لا، نحن سنطرح عطاء لإنشاء وحدة استلام أو استيراد غاز من العقبة، غاز طبيعي مسال. الآن يوجد اهتمام من قطر ومن شركات كبرى وسيطرح عطاء ومن المتوقع أن تقوم شركة قطر للغاز بالمشاركة ضمنها، وهناك توجه بأن أزور قطر، بناءً على دعوة من وزير البترول القطري للتباحث في هذا الموضوع.

المصريون ينقلون الغاز عبر أنبوب، وهذا يمكن أن يكون أرخص أنواع الغاز. القطريون استثمروا مئات البلايين بتصدير الغاز عن طريق الغاز المسال بمعنى أن يؤخذ الغاز ويقام بتسييله، ثم ينقل بسفن... الخ. فالآن لا وجود لقضية مد أنبوب غاز مع قطر.

الدستور: ماذا عن أسعار النفط حاليا والدعم المقدم من الحكومة؟.

طوقان: الأسعار التي تباع في السوق الآن تم تثبيتها في كانون الأول الماضي. في أيلول 2010 كان سعر النفط 75 دولارا، ليس في عهد هذه الحكومة بل الحكومة السابقة. آخر مرة تم الرفع إلى 95 دولارا في نهاية كانون الأول عام 2010.

عندما كان البرميل على 120 دولارا كانت الحكومة تدعم كل مواطن سواء كان فقيرا أو غنيا، كانت تدعمه بـ 25 بالمائة، لغاية أول أيلول هذا البنزين مدعوم بـ 17 بالمائة.