سوق التعليم!

اخبار البلد-

 

في مقالي السابق ” قرارات ودلالات ” الذي علقت فيه على بعض ما ورد في حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتنشيط الاقتصاد وتحفيز الاستثمار، أشرت إلى أن الحزمة قد أغفلت قطاعات ذات ميزة تنافسية، وقيمة مضافة عالية، كلفة تطويرها قليلة ومردودها كثير ونتائجها سريعة، مثل قطاعات التعليم والصحة والسياحة والزراعة، وضربت أمثلة على ذلك، ولكني في هذا المقال أريد أن أتوسع قليلا في القيمة الاقتصادية لقطاع التعليم في جميع مراحله، وخاصة المرحلة الجامعية.
سوق التعليم مصطلح متفق عليه في رسم إستراتيجيات الدول التي تعتبر رائدة في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي على المستوى الدولي، تتعاون على صياغتها العديد من القطاعات ذات العلاقة، بما فيها قطاع الاقتصاد والتجارة الدولية، وتفرد فيها بنودا لتصدير التعليم، وأخرى لجذب الطلبة الأجانب، وتسهيل إقامتهم لفترة طويلة، وتشمل الخطة جدولا زمنيا لاستقطاب الطلبة من أنحاء العالم لزيادة مداخيل الدولة، وتعظيم مكانتها في المنظومة العالمية للتعليم الأكاديمي.
رغم ما يزيد على نصف قرن من تجربتنا الوطنية في قطاع التعليم العالمي، وهذا العدد الكبير من الجامعات الرسمية والخاصة، إلا أننا ما نزال ندور في حلقة مفرغة، نعيد ونكرر الكلام نفسه عن مشاكل القطاع، ومديونية الجامعات الحكومية، وغياب النظرة التكاملية لمفهوم الجامعات الوطنية، ودورها في تجويد مخرجات التعليم الأكاديمي، وتوجيه الأبحاث العلمية لخدمة متطلبات التنمية، واحتياجات سوق العمل في ضوء الثورة الصناعية والاتصالية والمعلوماتية الحديثة، ودائما ننتظر مشكلة طارئة تحرك المياه الراكدة، مثلما حصل في قضية الطلبة الكويتيين والقطريين، وغيرها من القضايا التي شوهت السمعة الممتازة لجامعاتنا مقارنة بغيرها من الجامعات العربية.
أربع عشرة جامعة أردنية من بين أفضل مائة جامعة عربية، وما يزيد على أربعين ألف طالب وطالبة ينتمون إلى مائة وخمس جنسيات من أنحاء العالم يدرسون في جامعاتنا، ولدينا من الامكانيات والقدرة والكفاءة والجودة العالمية ما يكفي لاستقطاب سبعين ألفا في السنوات القادمة، لا يقل عائدها على الدولة عن مليار دينار أردني، لو أننا نتفق على وضع خطة وطنية مشتركة لاستقطاب الطلبة الأجانب !
موقعنا الجغرافي يجعل المسافة قريبة جدا من طلبة الدول المحيطة بنا، ودول الخليج العربي وسط أجواء آمنة، وثقافات متقاربة، فضلا عن برامج التعليم الأكاديمي لجامعات أجنبية مرموقة تتيح الدراسة فيها من الأردن، وغير ذلك كثير من المرغبات والحوافز التي لم نستطع ترويجها بالشكل المناسب بسبب غياب تلك الخطة.
تكلفة ذلك علينا لا شيء حين نعقد شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص للقيام بهذه المهمة السهلة، ولكن يبدو أننا لم ندرك بعد المعنى العميق لاقتصاديات التعليم وأسواقه، لأن مفهوم الميزة التنافسية والقيمة المضافة لبلدنا ما يزال من صنف الاستعراض وليس العرض !