الشجرة المباركة
شجرةٌ لو قُدّر لها أن تنطق لحقّ لها أن تتمايل تيها وفخرا، بل جاز لها أن تبالغ وتزيد، فقد ذُكرت في كتاب الله (6) مرات، وأقسم الله بها، وهو الغني عن ذلك، وهي الموسومة من رب العالمين بالمباركة، كما أنها حازت الذكر والاهتمام من رسولنا الكريم، وذُكرت في الكتب السماوية الأخرى في التوراة والإنجيل، وحظيت بإجماع عالمي نادر على قيمة ثمرها، والزيت المعصور منه، لما يشتمل عليه من مواد نافعة لا تعد ولا تحصى، وحقّ لها أن تُطاول السحاب عزةً وفخارا، فيكفي أن غصنها في فم الحمامة ما زال رمزا دائما للسلام والوئام في العالم منذ طوفان نوح عليه السلام.
عن شجرة الزيتون المباركة أكتب، بمناسبة انطلاق موسم قطف ثمارها في هذا الوقت من السنة، في كثير من دول العالم، وهو موسم خير يمتزج فيه التعب بالفرح، يصاحبه السعي في الرزق، لدى ملايين الأسر العربية، فضلا عن كونه موسما اقتصاديا واجتماعيا رائعا بامتياز، تبرز فيه أسمى معاني التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، بحيث يتنادى القاطفون إلى الحقول مصبحين، حيث تغص بأعداد كبيرة منهم، ليكون لكل فرد من الأسرة في هذا الموسم دور ومساهمة في إنهاء المهمة، حتى تجد أن كل شجرة يحيط بها عددٌ من الأفراد، رجالٌ ونساء، شبابٌ وأطفال، بعضهم يأخذ مكانه في وسطها، وأخر يتسلق سلما ليصل إلى أعلاها، ونساء تلتقط الحبات الساقطة على المفرش تحتها، وشباب يجمعون الناتج في أكياس تمهيدا لحملها إلى المعصرة، وصولا إلى المحطة الأخيرة أي العودة بزيت يقطر فرحا.
لو أخذَنا الحديثُ عما يشتمل عليه ثمرها وزيتها من معادن وفيتامينات وأحماض أمينية ودهنية وعناصر غذائية متنوعة، لطال الحديث وتشعب، لكن يكفي أن يُذكر أن منتج هذه الشجرة قد أثرى المطبخ العربي، وزاد من تنوعه وحيويته، ويكفي أن الرسول عليه السلام أوصى بزيتها غذاءً وعلاجا "كلوا الزيت، وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة". يقول الدكتور صبري القباني في كتابه الغذاء لا الدواء " لقد عرف الإنسان شجرة الزيتون منذ أقدم العصور فاستغلها خير استغلال إذا ائتدم بثمرها واستضاء بزيتها واستوقد وجزل حطبها".
لله در هذه الشجرة، كم لها من الفضائل، وكم هي الفوائد التي أودعها الله فيها، فهي غذاء مكتمل ثمرا وزيتا، ومنها طاقة ووقود، كما أن باقي أنويتها المتبقي بعد عصر الزيت يستخدم علفا للدواب، وفي تسميد الأرض، أي أن فضلها يمتد إلى الإنسان والحيوان والنبات. أمّا إن تم الاعتداء على هذه المعمّرة الخضراء أبدا، الساكنة بجلال في أرضها، فإنها تعطي خشبا يستخدم في صناعة أجود الأثاث.
في قائمة أصدرها المجلس الدولي للزيتون لعام (2018) - وهو منظمة حكومية تختص في المجال، وتأسس في اسبانيا (1959) برعاية الأمم المتحدة- اعلنت ترتيب الدول الأكثر إنتاجا لزيت الزيتون عالميا، كانت هناك (3) دول أوربية تحتل رأس القائمة، وهي اسبانيا وإيطاليا واليونان، تستأثر بثلثي الإنتاج العالمي أو يزيد، فيما دخلت (3) دول عربية القائمة، فكانت تونس أولا عربيا، ورابعا عالميا، فيما جاءت المغرب في المرتبة السادسة عالميا، وكانت المفاجأة أن تحتل سوريا الترتيب السابع عالميا، بقيمة انتاج (100) الف طن على الرغم من كل ما تمر به.