إلزامية رياض الأطفال: التخطيط لضمان العدالة
اخبار البلد-
لا خلاف على أن التوجه لجعل تعليم رياض الأطفال إلزامياً اعتبارا من العام الدراسي القادم، هو خطوة بالاتجاه الصحيح، لكن عديد التحديات الضخمة التي تواجهها وزارة التربية والتعليم تثير القلق حول مدى إمكانية تنفيذ هذا التوجه ضمن التعليم العام وبمعايير تضمن تحقيق العدالة والإسهام الفعلي في تنمية الطفولة المبكرة.
عند الحديث عن هذا التوجه، لابد أولاً من التذكير بأن وزارة التربية تتحمل فقط مسؤولية المرحلة الثانية من رياض الأطفال من عمر خمس سنوات، بينما تتولى وزارة التنمية والقطاع الخاص مسؤولية المرحلة الأولى منها إلى جانب الحضانات.
مقارنة بالنسب العالمية، تعد نسب الالتحاق برياض الأطفال في المملكة متدنية، إذ لا تتجاوز 60 %، كما أنها شهدت تراجعا في السنوات الأخيرة وفقاً لبيانات الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم 2018-2022.
يشكل تدني النسب وتراجعها تعارضاً مع المؤشرات الدالة على زيادة الوعي بأهمية التعليم المبكر، وزيادة الحاجة للالتحاق برياض الأطفال مع زيادة عدد الأمهات العاملات، ما يعني بأن هذا التراجع سببه بالدرجة الأولى هو الارتفاع الشديد في رسوم رياض الأطفال الخاصة وسط حالة الإعسار الاقتصادي الذي تعيشه المملكة.
في ضوء ذلك، فإن فرض الزامية هذه المرحلة ينبغي أن يفرض التزاما مسبقاً على وزارة التربية باستقبال كافة أطفال المملكة في عمر خمس سنوات، وتوفير رياض أطفال تستوعبهم جميعا، بما يتضمنه ذلك من تجهيزات مختلفة، من إنشاء الغرف المجهزة بالأثاث والمستوفية شروط السلامة، وتوفير معلمات ذوات تأهيل وتدريب خاص وغير ذلك من التفصيلات الكثيرة التي تنبئ معظم المؤشرات بعدم قدرة وزارة التربية على تأمينها مع بداية العام القادم.
تعترف الوزارة في خطتها الاستراتيجية بوجود تحديات كبيرة في هذا المجال منها؛ محدودية القدرات المؤسسية داخل الوزارة، تدني مستوى التأهيل المطلوب للمعلمين والعاملين، محدودية المساحات المتوفرة لبناء غرف رياض الأطفال في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ومحدودية الموارد المالية.
للأسف، لم تتضمن الخطة إجراءات واضحة لتجاوز معظم هذه التحديات، بل إن عددا من الأنشطة الأساسية التي يفترض أن تبنى عليها عملية التوسع مثل "دراسة وتحليل واقع رياض الأطفال في الأردن” تستهدف الاستراتيجية إتمامها العام 2022-2023 أي بعد عامين من تطبيق إلزامية المرحلة وفقاً للتوجهات.
أما فيما يتعلق بالمبالغ المرصودة لهذا القطاع فإن المخصصات التأشيرية الواردة في موازنة العام الحالي تشير إلى زيادة المخصصات لعام 2020 بنسبة 2.4 % عن مخصصات العام الحالي، وزيادتها لعام 2021 بنسبة 4 %، وهي زيادة لا تعادل التوسع المستهدف، خصوصا مع ضرورة الأخذ بالاعتبار افتقار المناطق الريفية والفقيرة والأقل نمواً لرياض الأطفال بشكل شبه كامل.
رياض الأطفال ليست أمراً كمالياً، فهي لا تهدف فقط إلى تهيئة الطفل للتعليم الأساسي، وإنما هي تسهم في رفع مستوى التحصيل العلمي، وتحسين مخرجات العملية التعليمية، وتقليل نسب التسرب، وزيادة فرصة استمرارية التعلم مدى الحياة.
إن فرض إلزامية التعليم قبل تحقيق درجة متقدمة جداً من الجاهزية لاستقبال أطفال المملكة ضمن مدارس التربية سوف يخل بمبدأ العدالة والمساواة في إمكانية الوصول للتعليم بين أبناء الأسر الأردنية من الطبقات المختلفة، وسيعمل ذلك على تعميق الفجوة التعليمية المرتبطة بالحالة الاقتصادية.
ليس المطلوب بالتأكيد التراجع عن التوجه، فنحن بالأساس متأخرون في هذه الخطوة، لكن المطلوب هو رسم خطة واضحة للتنفيذ وبناء شراكات مثمرة مع القطاع الخاص لتحقيق الجاهزية المناسبة التي تكفل حق كل طفل على أرض المملكة في الحصول على مقعد ضمن رياض أطفال لائقة وملائمة.