راكان المجالي يفتح النار على ليلى شرف ويتهكم على قرارها بالاستقالة
في يوم 29 آب من العام 1964 الذي كان يصادف ذكرى استشهاد المرحوم هزاع المجالي كنت أنا وابن عمي أمجد هزاع وحدنا في منزل المرحوم نلعب "باصرة". كانت وبداية الليل، ورن جرس المنزل وبدأ كل واحد منا يقول للآخر "قوم افتح" قام أمجد ووقفت أنا قبالة الباب وكان الطارق هو المغفور له الملك الحسين، سلمنا عليه ودخلنا معه للصالون، ولما كان أمجد بالبيجاما، ذهب ليلبس، ويستدعي والدته من عند جارة صديقه، وكانت المرة الاولى التي أجلس مع جلالته وحيداً، وسألني بمودة عن احوالي فحمدت الله وأفضت في حديث شكر على تعيينه المرحوم عبدالحميد شرف مديراً للاذاعة آنذاك، مشيداً بهذه الأخبار والرجل، ومر اكثر من اسبوع بعدها لقيني عبدالحميد، وقال لي: يا لئيم.. لماذا لم تقل لي أنك شفت سيدنا وقلت ما قلت عني؟ ان شاء الله أكون قـَد ثقة اخواني وقـَد الحمل.
***
كان عبدالحميد شرف صديقي وأنا أتلاقى وأتنافر مع الاشخاص خاصة في مواقع العمل العام من خلال موقف اخلاقي وليس مزاجا شخصيا، وكان عبدالحميد نموذجاً مميزاً لرجل الدولة المثقف والنزيه، وكانت الاذاعة من أهم مؤسسات البلد يومها وكان معروفاً انه عندما تتغير الوزارة يتغير معها مدير الاذاعة مباشرة وقبل أن تجتمع الحكومة، وكنت كلما خرج عبدالحميد من الاذاعة اخرج معه دون ان "يبلش فيّ أحد" وكنا مجموعة اصدقاء نتفشش بكتابة الشعر والنثر والتنكيف على الحضور واذكر هذه الابيات من الشعر بعد خروجه من الاذاعة:
هو الزمان عجيب في تقلبه
يقصي الشريف الذي يزهو به الشرف
فلا الاذاعة عادت دار مكرمة
ولا على الدار بعد اليوم من أسف
عبدالحميد أخانا أنت من رجعت
فيه الكرامة تجيء طيب السلف
ولا يضير كريماً ان اخوته
ما قدروه فما حق بمنتصف
***
ذكرت الخواطر السابقة، لأصل الى اقالة الحكومة للسيد فارس عبدالحميد شرف والذي لا أعرفه الا وهو طفل، لكن من متابعتي له من بعيد وما سمعته عنه، كدت ارى أن فيه الكثير من جينات عبدالحميد الأصيلة وتميزه. ومن سوء حظ الحكومة، ان الانطباع في الرأي العام كان سلبياً تجاه ما قالته عن فارس شرف، وان ما قالته، لم يقتنع به احد، وان ايضاحاتها لاسباب الاستقالة قد زادت الوضع غموضاً.
***
كان واضحاً أن السيد فارس شرف قد اضطر للرد على كلام الحكومة، وكان رد فارس في حدود تفنيد ما قالته الحكومة، لكن لا بد أن نذكر ان رواية الحكومة غير المتماسكة، حول اوضاع البنك المركزي وادارته، ولا رد السيد شرف المحدود، والذي حصره بالرد على اقوال الحكومة، قد أجابا عن سؤال الاستقالة او الاقالة، مما افسح المجال لخيال الناس وللاستنتاجات والروايات والسواليف والشكوك والتساؤلات.
***
قدمت السيدة ليلى شرف استقالتها من مجلس الأعيان، وزجت نفسها في قصة ابنها وهي قضية تخصه وحده فقط، وعن جدارة شغل فارس هذا المنصب وغيره، وليس بتأثير ووساطة امه التي اعتبرت ان اقالته مساس باهميتها وتأثيرها.. لأن الموضوع مثير، فهو فرصة لابراز نزعة المزاودة والبحث عن النجومية.
المجاهدة الكبيرة ليلى شرف اكدت تصميمها على الاستقالة وقالت "انها لن تعمل ابداً مع هذه الدولة الفاسدة". ومعنى الكلام لا يقتصر على وصم الوضع الراهن بالفساد، فهو يحمل معنى ان هذه الدولة كانت دائماً فاسدة ابتداءً وانتهاء وفي كل المراحل، دون ان تتذكر انها في مراحل او كل المراحل كانت جزءاً من هذه الدولة وانها ظلت تعتبر نفسها "مُنظِّرة" للحكم ووصية على السياسة والثقافة وعلى الاردن عموماً و.. و.. الخ، هي نفسها قالت كلاماً مشابهاً عندما قدمت استقالتها من حكومة احمد عبيدات في العام 1984.
يا للهول ويا للفاجعة! فالسيدة ليلى شرف لن تعمل مع الدولة الفاسدة، بعد ان تيتم الاردن وتيتمت دولتنا!! هل نكتفي بذرف الدموع أم نخرج للشوارع كلنا ونعتصم، لتعود الأم الرؤوم لاحتضان ورعاية دولتنا؟.