السودان في مواجهة العقوبات وحرب اليمن

اخبار البلد-

 
قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخميس 31 تشرين اول اكتوبر الفائت تمديد حالة الطوارئ الوطنية للولايات المتحدة تجاه السودان وذلك قبيل انتهاء المدة المقررة اليوم الاحد 3 نوفمبر تشرين الثاني؛ اذ اصدر البيت الابيض بيانا قال فيه "على الرغم من التطورات الإيجابية الأخيرة في السودان، فإن الأزمة التي نشأت عن أفعال وسياسات حكومة السودان التي أدت إلى إعلان حالة طوارئ وطنية بموجب الأمر التنفيذي 13067 للعام 1997 لم تحل بعد”. وما زالت "تشكل تهديدا غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة».
القرار اثار قدرا كبيرا من الاحباط وخيبة الامل في السودان، وفجر جدلا واسعا خصوصا انه جاء بعد تصريحات متفائلة لوزير المالية ابراهيم البدوي وتزامن مع زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لنيويورك الجمعة الفائتة، غير ان الاكثر اثارة للاهتمام هو تزامن الاعلان الامريكي مع اعلان قائد قوات التدخل السريع حمدتي سحب جزء كبير من القوات السودانية من اليمن؛ فالأوراق اختلطت بقوة وبات المشهد ضبابيا على نحو غير مسبوق في سياسة السودان الخارجية التي تواجه تحديات بتداعيات داخلية اقتصادية وسياسية.
فرغم التحولات الكبيرة التي تبعت انهاء حكم البشير، وتشكيل المجلس السيادي والحكومة الجديدة، الا ان الولايات المتحدة الامريكية لا زالت غير مقتنعة بالتغيير في السودان؛ دافعاً النخب السودانية الى القول بأن واشنطن تستهدف السودان بغض النظر عن النظام الحاكم فيه؛ وهي الرسالة السلبية التي حذر منها وزير الخارجية السابق في حكومة الانقاذ ابراهيم الغندور في مقال منشور على موقع المجهر السياسي السوداني يوم امس السبت بقوله: «اعتقد.. الآن سيفهم الجميع وخاصة الشباب ان العقوبات الامريكية على السودان ليس المقصود منها نظام الانقاذ او حكومة يترأسها البشير. وانما المقصود بها السودان كدولة بالرغم من أن العالم اصبح يعلم تماما ان السودان ليس دولة ارهابية وما كان يوما دولة ارهابية».
ردود الفعل لم تقتصر على وزير الخارجية الاسبق غندور؛ فوزير المالية ابراهيم بدوي الذي قضى شهرا كاملا في الولايات المتحدة الامريكية، مفاوضا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تعرض لصدمة كبيرة بعد ان اطلق تصريحات متفائلة لم تصمد امام القرار المفاجئ للرئيس الامريكي الذي جاء بعيد عودته الى الخرطوم بأيام، وإطلاقه تصريحات متفائلة حول مفاوضاته مع صندوق النقد والبنك الدولي؛ تصريحات استبقت انقضاء المدة القانونية لحالة الطوارئ الامريكية الموافق اليوم الاحد 3 نوفمبر تشرين الثاني الحالي.
جهود وزير المالية ابراهيم بدوي بل جهود رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي استقبله يوم الجمعة 1 نوفمبر تشرين الثاني في نيويورك الأمين العام للأمم المتحدة "انطونيو غوتيريس”، معلنا ان الأمم المتحدة ستدعم الحكومة الانتقالية في السودان في تنفيذ كافة متطلبات المرحلة الانتقالية التي توصل إليها السودانيون وفق الوثائق التي وقعوها؛ اعلان غوتيرس واستقباله حمدوك لم يشفع للسودان، ولم يمنع ترمب وادارته وخارجيته من تجديد حالة الطوارئ، متجاهلا حمدوك وجهوده الدبلوماسية.
لا تقتصر حالة الاحباط على الجهود الدبلوماسية والاممية بل تمتد الى الحلفاء الاقليميين والشركاء المقربين في حرب اليمن؛ اذ تزامن القرار الامريكي مع اعلان محمد حميدتي قائد قوات التدخل السريع ونائب رئيس المجلس العسكري السابق عن سحب عشرة آلاف من جنود السودان، التابعين لقوات التدخل السريع من اليمن؛ وذلك في جلسة مغلقة لمجلس السيادة المشكل حديثا، معلنا النية لسحب ما تبقى من قوات بلاده؛ فالدول الحليفة والاقليمية وعلى رأسها ابو ظبي والرياض فشلت في وقف العقوبات الامريكية؛ بل باتت تخضع هي ذاتها (الرياض وابو ظبي) لضغوط امريكية وغربية بسبب حرب اليمن، مترافقة مع ادعاءات بوجود انتهاكات انسانية وهي انتهاكات تطال القوات السودانية ايضا.
الاهم من ذلك ان ابو ظبي والرياض تتعاملان بفتور وبرود مع الخرطوم خصوصا بعد اعلان ابو ظبي سحب قسم كبير من قواتها من اليمن، بحجة مواجهة التهديدات الايرانية، تبعه التوصل الى اتفاق في الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي لتتقاسم السلطة داخل الحكومة التي يترأسها «معين سعيد»، وقيام القوات السعودية بإعادة الانتشار في عدن وغيرها من مناطق مع توقعات بتنشيط المفاوضات مع الحوثيين، برعاية المبعوث الامريكي الجديد للشرق الادني ديفيد شينكر ليجد السودان نفسه وقد استنفد اغراضه واوراقه في الملف اليمني وبات الحلقة الاضعف فيها.
تصريحات حميدتي بسحب القوات السودانية تعكس تراجعا كبيرا في حجم الدعم المقدم للسودان من الرياض وابو ظبي، كما تعكس حالة من الاحباط والارباك بتراجع قدرة كل من الرياض وابو ظبي على التأثير بمواقف وتوجهات الادارة الامريكية والخارجية الامريكة تجاه السودان؛ اذ لم يفض الدعم والوعود السعودية الى وقف العقوبات الامريكية من ناحية عملية بل فتح الباب لتتحول الرياض وابو ظبي الى عبء على الخرطوم؛ حقائق فتحت الباب لتعالي الاصوات من جديد داخل السودان، منتقدة لسياسة ابو ظبي والرياض التي كان على رأسها هذه المرة الحزب الشيوعي السوداني.
السودان بات وحيدا في مواجهة العقوبات، ولم يبق أمامه الا المضي في اصلاحاته السياسية وهياكله الادارية والتشريعية، فهي المخرج الاساسي من ازمته والسلاح الفعال لتطوير سياسته الخارجية ومواجهة العقوبات والازمات المالية فهي ادوات ستعطيه المزيد من المرونة التي افتقدها في سياسته الخارجية، وهي تحولات تتعرض لضغوط امريكية وغربية للتأثير بمخرجاتها بإخضاعه لعمليات ابتزاز  امريكية بفعل العقوبات الامريكية، والنفوذ الكبير للولايات المتحدة داخل البنك الدولي وصندوق النقد.
ختاما: رهان السودان سيبقى على الاصلاحات السياسية، وقدرته على انتزاع الاوراق والمبررات من الولايات المتحدة الامريكية التي تدعي ان السودان ما زال يمثل تهديدا؛ سياسة ان لم تراجعها امريكا فإنها ستدفع السودان بكافة مكوناته واطيافة من جديد للانفتاح على القوى الدولية روسيا والصين؛ فالقوتان تقدمان حلولا استثنائية غير مشروطة في القارة الافريقية، كما ان هناك احتمالات مماثلة للانفتاح من جديد وبقوة على كل من قطر وتركيا.