شكل البيض على مائدة الوطن

 


 


قرر وحده الدخول في غيبوبة السفر وترك العائلة في مهب الريح بعد نكسة 1967 , اظنه غادر الى احدى المدن العربية المجهولة , مرة سمعنا انه في اليمن ومرة انه في القاهرة ومرة قالوا انه في سوريا , المهم انه بقي مجهول مكان الاقامة ومتعدد التنقل الى ان عاد الى اسرته بعد غياب , كانت الفترة طويلة فالابناء كبروا والصغيرات اللواتي تركهن على حضن امهاتهن لتجدل لهن الضفائر بتن امهات .

هكذا عاد اخي محمد بعد غياب طويل , ترك خلالها الاسرة تقارع صنوف الحياة ونكساتها وانكساراتها منفردة , نسي كل ما عليه من التزامات حيال اسرة بنت نفسها هكذا , شيء واحد بقي في ذاكرته وسلوكه , انه اب له سلطة الامر وعلى الاخرين الطاعة بصرف النظر عن كل المتغيرات وانعدام الواجبات , سمعنا انه تزوج في رحلة الانسحاب من الواجبات الاسرية وهناك من اكد انه تزوج في كل مدينة قطن فيها , ومع ذلك عاد يمارس عنجهية ذكورته على زوجة بقيت صابرة طوال عقود , وناضلت كي تربّي الابناء والبنات , وبنت بيتا حقق كل اشتراطات بقاء الاسرة المتماسكة , بالمناسبة كان اسمها معزوزة , ودلالة الاسم لا توحي بما واجهته في حياتها .

استيقظ صباحا بعد غياب عقود وبعد تثاؤب طلب ان يكون البيض طبق الافطار , وحتى لا تكسر معزوزة سلوكها الاستلابي رفضت ان تفرض شكل البيض على مائدة الافطار , فسألته ان كان يريد البيض مقليا فأجاب بالنفي , وكررت ان كان يريده مسلوقا فجاء النفي ايضا , ولمّا كان فرن المنزل الطيني ما زال ساخنا قدمت خيارا ثالثا بأن يكون البيض مشويا , فصعقتها اجابة النفي الثالثة .

البيض لا يمكن ان يتبدّى بغير هذه الاشكال الثلاثة , فهو كيان لايقبل القسمة , فلا تقبل البيضة ان نقلي صفارها ونسلق بياضها او العكس , المهم , ان جهود الوسطاء فشلت في اقناع اخي محمد في اختيار نوع البيض وبقي هو ممسك على قراره دون تغيير , وبقيت معزوزة تنتظر شكل البيض المطلوب , وانقسمت الاسرة الى داعم للاب الذي غاب طويلا ومن حقه تحقيق مطالبه حتى لا يعيد الكرة بالرحيل , وبين داعم للأم التي لا تستحق هذا الشكل الاستفزازي بعد كل هذه السنوات من الصبر والعمل حتى لو شابَ تلك السنوات بعض الاختلالات .

محمد , استغّل العجز في تنفيذ مطالبه بالفطور لتوضيح وتبرير سبب هروبه عن الاسرة وألقى باللائمة على زوجته التي لا تفهمه ’ بالمقابل كانت معزوزة تقول للوسطاء بإنه ما زال على عادته لا يتغير ولا يقبل التفاهم والحوار ولا يكف عن القاء الاوامر غير المفهومة وغير القابلة للتنفيذ , فهو يكره الخير لها ويكره كل شيء تقوم به منذ لحظة زواجها الذي وقع وهي صغيرة ولم تملك حق رفضه او قبوله , هي فتحت عينيها لتجده زوجا .

محمد يقول: إن طلبه مشروع فهو يريد بيضا فقط ويصرخ يا عباد الله حرام(آكل بيض) , ومعزوزة تقول انا جاهزة لتلبية مطالبه وعليه ان يحدد شكل البيض الذي يريد .

بالمناسبة الاوطان مثل البيض , رقيقة وناعمة ويمكن ان تكسر من الخارج بسهولة اذا تم الضغط على خواصرها الرخوة وهي قاسية بالمقابل ولا يمكن كسرها بحكم صلابة قامتها , ويمكن ان تخرب من الداخل او تفسد ويمكن ان تصبح شهية اذا ما تم الحفاظ عليها ونحن الان بطور القرار وننتظر شكل البيض على مائدة الوطن , بشرط ان نتفق على شكل تقديمه دون البقاء هكذا نطالب بحق مشروع وحلال في أكل البيض ولكن دون تحديد شكله على المائدة , ترى كم يشبه حوار الربيع العربي بين الشعوب والانظمة حوار محمد ومعزوزة ؟

omarkallab@yahoo.com