عناصر أساسية في استراتيجية النمو الاقتصادي الأردني: أين عنق الزجاجة؟
اخبار البلد-
بعيداً عن التفكير المعتمد على الرغبة، وعن توقعات النمو الخائبة دائماً لصندوق النقد والبنك الدوليين، قام «مركز التنمية الدولية» في جامعة هارفرد الأمريكية مؤخراً بإصدار دراسة مُعمقة تهدف الى تشخيص العناصر التي تعتبرها هامة وطموحة في أية استراتيجية قادمة للنمو الأردني المستقبلي، وذلك بعد تباطؤ ممتد طال أمده الى تسع سنوات بدءاً من عام 2010.
الدراسة الصادرة في عام 2019 كانت تحت عنوان:
Jordan: The Elements of a Growth Strategy
وهي من إعداد فريق من الباحثين بقيادة الخبير الدولي Ricardo Hausmann الذي اشتهر مؤخراً في تطوير نظرية التعقيد الاقتصادي ومؤشراتها العملية وتطبيقاتها في مجال استكشاف فضاء المنتجات المصدرة Product Space.
الدراسة المنشورة باللغة الانجليزية جاءت مطولة (45 صفحة) وسيتقصر العرض هنا على أبرز طروحاتها وتوصياتها الهامة، مع تقييم لهذه الطروحات والتوصيات من منظور القيمة المضافة أو بتعبير آخر تحديد «ما الجديد فيها»؟.
الدراسة ترى ان الانضباط المالي لوحده لن يكون كافياً على الأغلب لتحقيق استدامة الدين في اطار زمني معقول في الاردن، بل لابد أيضاً من النمو السريع والدعم الدولي لتقليل كلفة الدين. وترى الدراسة أنه في ضوء توقع الحاجة الى استمرار التشدد المالي، فإن الطلب المحلي لن يكون هو المحرك الأساسي للنمو في الاردن بل الطلب الخارجي.
وفي ضوء هذا الافتراض أو التوقع -القابل للجدل- لآفاق السياستين المالية والنقدية في بلدنا، ترى الدراسة أن آفاق نمو الاقتصاد الاردني ستحددها القطاعات السلعية والخدمية القابلة للمتاجرة الدولية، أو بلغة أبسط: القطاعات والاستثمارات التصديرية، بشقيها القائمة (الفعالة حالياً) والكامنة (الغائبة حالياً).
وحددت الدراسة، بناء على منهجية وقاعدة بيانات محددة، ثمانية قطاعات رئيسية في القطاع الخاص ذات «تأثير مضاعف» عال على بقية الاقتصاد الوطني سمتها «أفكاراً تصديرية» هي: (1) الخدمات المهنية والأعمال وتكنولوجيا الحاسب، (2) النقل والخدمات اللوجستية، (3) الخدمات التعليمية، (4) الخدمات الصحية والطبية، (5) السياحة، (6) الصناعات الابداعية (كالنشر والبث والطباعة)، (7) خدمات البناء وموادها، وأخيراً (8) الزراعة والصناعات الغذائية. كما حددت الدراسة فرص النمو التصديري الواعد في أنشطة فرعية ضمن كل قطاع رئيسي مذكور أعلاه.
وبخصوص المنهجية، ومع ان هذه الدراسة تتفوق على سابقاتها (بما فيها دراسة منتدى الاستراتيجيات الأردني حول فضاء المنتجات الأردني) في ادخال القطاعات الخدمية التصديرية في التحليل الى جانب القطاعات السلعية، الا انه من الواضح تحيز معظم القطاعات المستهدفة في دراسة هارفرد الى الأنشطة الخدمية دون السلعية (الصناعية تحديداً). كما كان من غير المتوقع تجاهل الدراسة لدور الحوافز المالية والتطوير المؤسسي في القطاع العام الأردني في دعم الأنشطة التصديرية الواعدة، وأيضاً تبخيس الدراسة لمساهمة الاقتصاد الرقمي بكافة قطاعاته الفرعية في الاردن كقطاع تصديري رئيسي وواعد.
ونهج دراسة هارفرد الذي يُعيّن قطاعات محددة واعدة وذات أولوية ومستهدفة يختلف عموماً عن النهج «الأفقي» المسيطر عملياً على مصفوفة الاصلاح الخمسية 2019-2023 المعدة من قبل وزارة التخطيط بالتعاون مع البنك الدولي، والذي يعتمد على تحسين بيئة أعمال مختلف القطاعات دون تمييز أو استهداف ايجابي لقائمة قطاعات محددة بالدعم الفني والاستشاري والمعلوماتي وبالحوافز الرقابية والضريبية الذكية.
وتجدر الاشارة الى ان الاستراتيجية الوطنية للصادرات الاردنية 2014-2019 والتي أعدت بالتعاون مع مركز التجارة الدولية (ITC) قد حددت أيضاً مجموعة من الصناعات التحويلية الواعدة تصديرياً، لكن للأسف من دون متابعة حثيثة من الجهات المختصة لأسباب ضعف التنفيذ وفرص التحديث لهذه الاستراتيجية.
وبخصوص القيمة المضافة للدراسة التفصيلية، فان تقييم الكاتب الشخصي يتلخص بالقول أنها تؤكد في استنتاجاتها -بخطوطها العريضة وفي المحصلة النهائية- ما تفتقت عنه العقول والخبرات المحلية، لكن مع إبراز بعض التفاصيل الجديدة الخاصة بالأنشطة التصديرية الفرعية والواعدة، بشقيها الكامنة والعاملة.
فالاعلام الاقتصادي المستقل أكد فيما سبق على: (1) أهمية التصدير والطلب الخارجي في المرحلة القادمة كمحرك أساسي للاستثمار والنمو، (2) ضرورة الاستهداف الايجابي لمجموعة من القطاعات والأنشطة السلعية والخدمية الواعدة تصديرياً، (3) أهمية الشراكة والمتابعة الفعالة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي خصوصاً في القطاعات المستهدفة ذات الميزة النسبية العالية، بما فيها تكنولوجيا الحاسب، وأخيراً (4) وجوب تسمية قائمة محددة للقطاعات التصديرية المؤهلة للدعم والتسهيل والحفز الحكومي على عكس رأي صندوق النقد الدولي.
وكمؤشر على صحة هذا الاستنتاج العام بخصوص القيمة المضافة للدراسة، فليراجع القارئ المهتم مقالات العديد من الاقتصاديين الاردنيين المستقلين، بما فيها مقال هذا الكاتب: «كيف نشجع الصادرات الخدمية القائمة على المعرفة؟» ومقال «كيف نرقى بصادراتنا الوطنية؟» ومقال «كيف نشجع الصادرات الوطنية؟» حول أهمية وأداء ومنظومة تشجيع الصادرات في الاردن.
والخلاصة لهذا المقال، ليست العقبة الرئيسية أمام تلكؤ النمو الأردني هي غياب الأفكار والدراسات والحلول الابداعية وخارج «الصندوق»، بل العقبة هي في تنفيذ وتنزيل الحلول على الواقع، والميل الى الاعتقاد بأن كل «فرنجي (صندوقي) برنجي». ودون تطبيق ومتابعة وتقييم ومحاسبة وابداع وطني، فإن جلّ الاستراتيجيات والحلول الجديدة ستوضع للأسف على الرف.
الدراسة الصادرة في عام 2019 كانت تحت عنوان:
Jordan: The Elements of a Growth Strategy
وهي من إعداد فريق من الباحثين بقيادة الخبير الدولي Ricardo Hausmann الذي اشتهر مؤخراً في تطوير نظرية التعقيد الاقتصادي ومؤشراتها العملية وتطبيقاتها في مجال استكشاف فضاء المنتجات المصدرة Product Space.
الدراسة المنشورة باللغة الانجليزية جاءت مطولة (45 صفحة) وسيتقصر العرض هنا على أبرز طروحاتها وتوصياتها الهامة، مع تقييم لهذه الطروحات والتوصيات من منظور القيمة المضافة أو بتعبير آخر تحديد «ما الجديد فيها»؟.
الدراسة ترى ان الانضباط المالي لوحده لن يكون كافياً على الأغلب لتحقيق استدامة الدين في اطار زمني معقول في الاردن، بل لابد أيضاً من النمو السريع والدعم الدولي لتقليل كلفة الدين. وترى الدراسة أنه في ضوء توقع الحاجة الى استمرار التشدد المالي، فإن الطلب المحلي لن يكون هو المحرك الأساسي للنمو في الاردن بل الطلب الخارجي.
وفي ضوء هذا الافتراض أو التوقع -القابل للجدل- لآفاق السياستين المالية والنقدية في بلدنا، ترى الدراسة أن آفاق نمو الاقتصاد الاردني ستحددها القطاعات السلعية والخدمية القابلة للمتاجرة الدولية، أو بلغة أبسط: القطاعات والاستثمارات التصديرية، بشقيها القائمة (الفعالة حالياً) والكامنة (الغائبة حالياً).
وحددت الدراسة، بناء على منهجية وقاعدة بيانات محددة، ثمانية قطاعات رئيسية في القطاع الخاص ذات «تأثير مضاعف» عال على بقية الاقتصاد الوطني سمتها «أفكاراً تصديرية» هي: (1) الخدمات المهنية والأعمال وتكنولوجيا الحاسب، (2) النقل والخدمات اللوجستية، (3) الخدمات التعليمية، (4) الخدمات الصحية والطبية، (5) السياحة، (6) الصناعات الابداعية (كالنشر والبث والطباعة)، (7) خدمات البناء وموادها، وأخيراً (8) الزراعة والصناعات الغذائية. كما حددت الدراسة فرص النمو التصديري الواعد في أنشطة فرعية ضمن كل قطاع رئيسي مذكور أعلاه.
وبخصوص المنهجية، ومع ان هذه الدراسة تتفوق على سابقاتها (بما فيها دراسة منتدى الاستراتيجيات الأردني حول فضاء المنتجات الأردني) في ادخال القطاعات الخدمية التصديرية في التحليل الى جانب القطاعات السلعية، الا انه من الواضح تحيز معظم القطاعات المستهدفة في دراسة هارفرد الى الأنشطة الخدمية دون السلعية (الصناعية تحديداً). كما كان من غير المتوقع تجاهل الدراسة لدور الحوافز المالية والتطوير المؤسسي في القطاع العام الأردني في دعم الأنشطة التصديرية الواعدة، وأيضاً تبخيس الدراسة لمساهمة الاقتصاد الرقمي بكافة قطاعاته الفرعية في الاردن كقطاع تصديري رئيسي وواعد.
ونهج دراسة هارفرد الذي يُعيّن قطاعات محددة واعدة وذات أولوية ومستهدفة يختلف عموماً عن النهج «الأفقي» المسيطر عملياً على مصفوفة الاصلاح الخمسية 2019-2023 المعدة من قبل وزارة التخطيط بالتعاون مع البنك الدولي، والذي يعتمد على تحسين بيئة أعمال مختلف القطاعات دون تمييز أو استهداف ايجابي لقائمة قطاعات محددة بالدعم الفني والاستشاري والمعلوماتي وبالحوافز الرقابية والضريبية الذكية.
وتجدر الاشارة الى ان الاستراتيجية الوطنية للصادرات الاردنية 2014-2019 والتي أعدت بالتعاون مع مركز التجارة الدولية (ITC) قد حددت أيضاً مجموعة من الصناعات التحويلية الواعدة تصديرياً، لكن للأسف من دون متابعة حثيثة من الجهات المختصة لأسباب ضعف التنفيذ وفرص التحديث لهذه الاستراتيجية.
وبخصوص القيمة المضافة للدراسة التفصيلية، فان تقييم الكاتب الشخصي يتلخص بالقول أنها تؤكد في استنتاجاتها -بخطوطها العريضة وفي المحصلة النهائية- ما تفتقت عنه العقول والخبرات المحلية، لكن مع إبراز بعض التفاصيل الجديدة الخاصة بالأنشطة التصديرية الفرعية والواعدة، بشقيها الكامنة والعاملة.
فالاعلام الاقتصادي المستقل أكد فيما سبق على: (1) أهمية التصدير والطلب الخارجي في المرحلة القادمة كمحرك أساسي للاستثمار والنمو، (2) ضرورة الاستهداف الايجابي لمجموعة من القطاعات والأنشطة السلعية والخدمية الواعدة تصديرياً، (3) أهمية الشراكة والمتابعة الفعالة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي خصوصاً في القطاعات المستهدفة ذات الميزة النسبية العالية، بما فيها تكنولوجيا الحاسب، وأخيراً (4) وجوب تسمية قائمة محددة للقطاعات التصديرية المؤهلة للدعم والتسهيل والحفز الحكومي على عكس رأي صندوق النقد الدولي.
وكمؤشر على صحة هذا الاستنتاج العام بخصوص القيمة المضافة للدراسة، فليراجع القارئ المهتم مقالات العديد من الاقتصاديين الاردنيين المستقلين، بما فيها مقال هذا الكاتب: «كيف نشجع الصادرات الخدمية القائمة على المعرفة؟» ومقال «كيف نرقى بصادراتنا الوطنية؟» ومقال «كيف نشجع الصادرات الوطنية؟» حول أهمية وأداء ومنظومة تشجيع الصادرات في الاردن.
والخلاصة لهذا المقال، ليست العقبة الرئيسية أمام تلكؤ النمو الأردني هي غياب الأفكار والدراسات والحلول الابداعية وخارج «الصندوق»، بل العقبة هي في تنفيذ وتنزيل الحلول على الواقع، والميل الى الاعتقاد بأن كل «فرنجي (صندوقي) برنجي». ودون تطبيق ومتابعة وتقييم ومحاسبة وابداع وطني، فإن جلّ الاستراتيجيات والحلول الجديدة ستوضع للأسف على الرف.