الثقافة السياسية

تعتبر الثقافة السياسية مكوناً هاماً من مكونات الثقافة العامة للمجتمع والتي تعكس صورته وخصوصيته من خلال ثقافة أبنائه وما يحملونه من معارف وأراء واتجاهات نحو سياسة البلد والسلطة والولاء والانتماء، وعلاقة الحاكم بالمحكوم , والمشاركة بالقرار السياسي . وهي بالمحصلة منظومة القيم والمعتقدات التي تحدد رؤية المجتمع للدور الأساسي للحكومة ومدى نجاحها في تسيير أمور الدولة ، بحيادية وموضوعية يحكمها الانتماء والولاء للوطن والنظام . أي أن الثقافة السياسية بهذا المنظورتعتبر نتاجاً لما يحمله أفراد المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر في السلوك السياسي لأعضائه حكاماً ومحكومين , وتتميز بأنها متغيره , ويتوقف حجم التغير على معدل ومدى التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية والإقليمية والعالمية .

وفي ظل كل هذا فالثقافة السياسية لأفراد المجتمع تعمل على تجسير الهوة بين النظام والقاعدة الشعبية , فهما في الأصل مكملان لبعضهما البعض , وشريكان في توجيه القرار السياسي بتفاعليه تحقق الأهداف المرجوة للوصول إلى قناعات فيما يحصل على الساحة السياسية المحلية والأقليمية والعالمية, وما يصدر عن النظام من قرارات هي بمجملها تسعى لتحقيق ما يتبناه المجتمع ويسعى لتطبيقة على ارض الواقع بما يخدم الصالح العام . وفي ظل هذه المنظومة ليس للشائعات أو التخمينات غير الواقعية أي دور في مجتمع يتمتع أفراده بالثقافة السياسية والوعي السياسي .

قادني لهذه المقدمة التعريفية بالثقافة السياسية ما يعانيه قطاع كبير من مجتمعنا من قصور وعدم وعي بمفهوم الثقافة السياسية , وما لها من دور في إثراء المسيرة السياسية بالمشاركة الفاعلة في القرار السياسي وتصويب الأخطاء قبل نقدها ، والعمل على استثمار النجاحات وتعظيمها والسعي لتحجيم الأخطاء ومواجهة التحديات والمعوقات وبمشاركة كل من هو قادر على الإصلاح والتغيير بما يخدم المصلحة العامة , وكل من خلال موقعه ، والتطلع للنهوض بالوطن , وتغليب الصالح العام للوطن على المنافع الفردية , فكلنا الوطن وللوطن .

وتلعب مجموعة من القوى دوراً هاماً في هذا ألسياق في تأصيل الوعي السياسي لدى المجتمع , وعلى رأسها الأحزاب والنقابات , وهي الناظم الأولي والأساسي للحياة السياسية فيه , وحقيقة أن المساحة الديمقراطية التي حظي بها أردننا لم تستثمر ايجابياً بما يخدم النهوض بالوطن والحفاظ على إنجازاته وتعظيمها .
فالأصل أن توظف الديمقراطية بحيث تصبح المرجع الأساسي للعمل السياسي , فالديمقراطية تحقق إجماع أعضاء المجتمع على الرضى عن مرجعية الدولة من خلال المشاركة في صنع القرار وتحديد الأهداف والرؤى وتبرير المواقف والممارسات بما يحقق التقدم والاستقرار والرضى لدى المجتمع .
فالنظام يعبر عن ما يتطلع إليه المجتمع ولا يتعارض مع أهدافه وقيمه، وهذا من ِشأنه ان يؤدي الى الاتفاق على مرجعية الدولة وبالتالي ما يصدر عنها من قرارات , ويبعد الاختلاف الذي قد يُحدث الانقسام وظهور الأزمات التي تهدد شرعية النظام وإستمراريته واستقراره .
والمطلوب من الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة التنمية السياسية وضع برامج اثرائية لتأصيل الثقافة السياسية فكراً وممارسةً .
د. نزار شموط