الملكية الدستورية وإضراب المعلمين

اخبار البلد-

 
مرت على الدولة الأردنیة أزمة غیر مسبوقة تمثلت في قرار نقابة المعلمین بإعلان الإضراب لفترة ھي الأطول تاریخیا، حیث امتازت ھذه المدة بحالة من التوتر والاحتقان بین طرفي النزاع. فقد تمسكت النقابة بعلاوة محددة لمنتسبیھا، في حین حاولت الحكومة بكافة السبل إیجاد مخرج لھذه الأزمة.فانتھت .الأزمة بالتوافق وعادت المیاه إلى مجاریھا بین الطرفین إن أھم ما یمیز ھذا الخلاف أنھ قد اقتصر بین الحكومة باعتبارھا صاحبة الولایة العامة في إدارة شؤون الدولة الداخلیة والخارجیة بموجب أحكام الدستور وبین النقابة ممثلة عن المعلمین، حیث لم یتدخل جلالة الملك رغم المناشدات والمطالبات الشعبیة المتكررة. فعلى الرغم من أن الملك في النظام الدستوري الأردني یحكم ویمارس صلاحیاتھ وفق أحكام الدستور، إلا أنھ قد اختار خلال الأیام الماضیة أن یبتعد عن المشھد السیاسي، وبأن لا ینحاز لأي من الطرفین إلا بعد انتھاء الأزمة، ذلك على اعتبار أن ما جرى یدخل ضمن صمیم الولایة الدستوریة لمجلس الوزراء في متابعة كافة الشؤون الداخلیة في .الدولة إن الدور الحیادي لجلالة الملك في الأزمة الأخیرة ھو مظھر من مظاھر الملكیة الدستوریة التي جرى تجسید معالمھا في الورقة النقاشیة الثالثة لعام 2013 بعنوان «أدوار تنتظرنا لنجاح دیمقراطیتنا المتجددة». فالحكومة - كما حدد جلالة الملك دورھا - یفترض بھا أن تتولى الإدارة العامة في الدولة بحیث «یقوم رئیس الوزراء بقیادة العمل الحكومي وفق أفضل الممارسات المؤسسیة، وبشكل یضمن القدرة على بناء التوافقات الضروریة من أجل مجابھة .«التحدیات التي تواجھ المواطنین كما أن موقف جلالة الملك من أزمة المعلمین قد جاء أیضا تكریسا للورقة النقاشیة الثالثة التي تحدد فیھا دور الملكیة «بحمایة الدستور والقیم الأردنیة الأصیلة من خلال الحیاد الإیجابي، والدفاع عن القضایا المصیریة المرتبطة بالأمن القومي، وتجاوز حالات الاستعصاء السیاسي بین مجالس النواب .«والحكومات،ومواجھة الحالات الاستثنائیة التي تتطلب حمایة أمن الوطن وسیادتھ في حال تعرضھ لتھدید حقیقي إن ما جرى مؤخرا في الأردن من تمثیل حقیقي للملكیة الدستوریة لھ ما یقابلھ في بریطانیا ھذه الأیام، حیث تعصف بالمملكة المتحدة أزمة سیاسیة خانقة تتمثل في قرب الموعد المحدد لخروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبي نھایة الشھر الجاري.فھناك حالة من الاستقطاب السیاسي بین الأحزاب الحاكمة والمعارضة بشكل أثر سلباً على مجریات التفاوض حول شكل الخروج من الاتحاد الأوروبي.وعلى الرغم من الأزمة السیاسیة الخانقة التي تشھدھا بریطانیا ھذه الأیام، إلا ان الملكة قد اختارت الحیاد والابتعاد عن المشھدین السیاسي والدستوري تكریسا لدورھا الرمزي في الحكم، وافساحا للمجال أمام الحكومة المنتخبة لإدارة ھذه الأزمة بما لھا من ولایة عامة، على أن تتحمل الحكومة ذاتھا تبعات أي قرار سیاسي تتخذه في ھذا الإطار ضمن مسؤولیة .الحزب السیاسي أمام جمھور الناخبین أستاذ القانون الدستوري في كلیة الحقوق في الجامعة الأردنیة.