الحكومة والمعلمون الوطن أولاً


الأزمة بين المعلمين والحكومة ذهبت بعيدا في تعقيداتها، وتشابكاتها، المسافة تتسع بين الفريقين الى الحد الذي يبدو من الصعب جسر الهوة بينهما.. ومساحة الغضب على هوامش الأزمة تتوسع، وتتجاوز المعلمين ومطالبهم، وتضع البلد على شفير تصادم وشيك.. وثمة صخب غير منضبط لا علاقة له بحسابات السياسة والاقتصاد، ولا تقاطعات الممكن والمستحيل.. وفي المقابل ثمة عجز ادارة تتوفر له مخزونات كبيرة من القوة الخشنة.. وكلما ضاقت مساحات التفاهم وتوسعت مساحات الغضب، اصبح وقوع المحذور امرا محتما.. واقرب من الرمش الى العين، لولا بقية عقل ما زال حاضرا ويكافح في هذه الاجواء من الغضب والفوضى.
نحن اليوم بإزاء وضع صعب.. كل صاحب اجندة غاضبة يطل برأسه.. سواء كان محقا او غير محق.. والخطاب الصاخب وصل حدا غير مسبوق.. وثمة اهتزاز لهيبة الدولة وتجاوز عليها، في الآن ذاته. والحكومة معنية ان تلتقط الرسالة وتكف عن التلكؤ والتأخير.. والمطلوب مبادرتان:
الاولى: اغلاق قضية المعلمين بحل «لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم».. وعلى قاعدة لقاء في منتصف الطريق.
والثانية: خطوة سياسية كبيرة تعمل على تفكيك الأزمات والاحتقانات حتى لا تنفجر ازمة ثانية وثالثة قبل تفكيك الاولى.
خطوة كبيرة ترتكز على اجراء عاجل، يوقف كل المظاهر السلبية .. واغلاق الفجوات التي تدخل منها الريح النتنة من تعينيات فاسدة وتنفعيات وهدر للمال العام وغياب للشفافية والمحاسبة..
وعلاج استراتيجي يجلب الناس ومن يختارونهم، للاسهام في ادارة الوضع العام وايجاد الحلول لأزمات البلد المتراكمة..عبر انتخابات برلمانية قريبة ونزيهة تجري وفق قانون محترم، وتحترم نتائجها في تشكيل اي حكومة قادمة.
ونقابة المعلمين مطالبة ان تبدي مرونة وعقلانية أكثر من اجل الوطن، ولمنع انزلاق الامر لما لا تحمد عقباه .. بفعل عقلية المكاسرة او الاستثمارات الفاسدة.. والتعبئة المسمومة على الجانبين.
وهي معنية بأن تقبل بالحل الوسط... وان تمنع ان يذهب البعض من غير المعلمين، بقضيتها المهنية مذاهب بعيدة وصعبة ... وهي اولا وآخرا تريد عنبا ولا تريد مقاتلة الناطور.
الشتم والتحقير واهانة رموز الدولة وصفة خراب.. تماما مثلما هي الاساليب الوضيعة بالاستعانة بأصحاب الاسبقيات والساقطات للإساءة للمعلمات.
البلد في خطر وتحوطه المخاطر والتحديات من كل جانب، والكل مطالب ان يحافظ على ادب الحوار والتزام القانون والبعد عن المجازفات..حكومة ونقابة وجمهورا غاضبا او راضيا.
شحنة الغضب التي تتفجر وتتسع دوائرها تنذر بشر كبير... وما لم يتم السيطرة على السنة اللهب، عاجلا وسريعا، بالعقل والمنطق والانضباط من الجميع حكومة واجهزة .. نقابة ومجاميع شعبية، فإن الانزلاق للهاوية اقرب من شرك نعال اي واحد من الغاضبين.
نحتاج لشجاعة من الدولة، تستحضر شجاعة وحنكة الملك الراحل الحسين رحمه الله، تقفز للامام عشر خطوات عبر بوابة انتخابات تمثيلية حقيقية ... تسمح بتنفيس الاحتقانات واشراك ممثلي الشعب في انجاز مهمة العبور الامن للمستقبل.. وحل عاجل وعاقل لقضية المعلمين..
ونحتاج من المعلمين لحكمة المربين وتوسيع الصدر، ومن الحكومة لحضور العقل والسياسة، ومن الجميع النزول عن الشجرة، واعفاء الوطن من مغامرة اذا لم تنتج حلا ستنتج خرابا يدفع الجميع ثمنه.
حمى الله الاردن بلدا وشعبا، مع المعلم ومع صيانة هيبة الدول ورموزها، وإسقاط المراهنات على الفوضى.