الثورات العربية...وفزاعة الإسلام السياسي



في نهاية عام 1991 و بعد الفوز الكاسح للجبهة الإسلامية للإنقاذ في المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية الجزائرية التي حصدت فيها الجبهة 188 مقعدا من أصل 228 مقعدا مقابل 16 مقعدا فقط  لجبهة التحرير (الحزب الحاكم في ذلك الوقت), بدأت على الفور الصحف الفرنسية والإنجليزية تحديدا حملة دعائية مغرضة كبيرة جدا للتخويف من خطر وصول الإسلاميين للحكم في شمال إفريقيا, وهي تلك الدول التي تدعي زيفا حمايتها لمبادئ الديمقراطية وحق الشعوب في اختيار من يحكمهم, لكن عندما تختار تلك الشعوب المسلمة من ترى فيهم الخير والأمانة وقبل ذلك ممن يعبرون عن تاريخهم وإرثهم الثقافي والديني عندها تتغير تلك المبادئ لهذه الدول المتباكية على حقوق الإنسان والديمقراطية لتتحول تلك الديمقراطية في نظرهم إلى خطر إرهابي محدق يهدد العالم الحر ما دامت تلك الانتخابات قد أفرزت الإسلاميين...  

لم تكن تلك الحملة الإعلامية الغربية المغرضة حقيقة حينها سوى ضوء أخضر لجنرالات الجيش الجزائري والحزب الحاكم من أجل الانقلاب على شرعية من اختارهم الشعب الجزائري بالطريقة الفرنسية والإنجليزية ذاتها التي يتغنون بها, ضاربين بعرض الحائط تلك الشعارات ومدخلين الجزائر بدوامة قتل وعنف حصدت أرواح عشرات الآلاف من الجزائريين عقابا لهم على اختيارهم وساهمت بتدمير الاقتصاد الجزائري وتراجع التنمية وظهور تجار الحروب والسمسرة الغربية وصناع الفساد وقتلة الهوية الوطنية الإسلامية لتلك الشعوب...

وسواء وصل الإسلاميون بالثورات الشعبية كما حدث في إيران, أو بصناديق الانتخابات كما هو الحال مع حركة حماس و الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر, أو بما تفرزه الحروب الأهلية والصراعات كما هو الحال في أفغانستان؛ فالأمر بالنسبة للغرب واحد...والنتيجة هي التآمر ثم الحرص على إجهاض تلك التجارب ولو تطلب الأمر خوض الحروب بشكل مباشر أو دعمها  بالإنابة عنهم....لكن المهم في الأمر والهدف الأساسي  من ذلك هو إفشال تلك الحالات بكافة الوسائل لكي لا يتم تكرارها وتعميمها في بلدان أخرى كنماذج ناجحة ورائدة قد تشجع  الشعوب الإسلامية الأخرى الطامحة للنهضة على الاقتداء بها باعتبارها نموذجا طبق الأصل من تاريخ الحضارة الإسلامية الخالدة...ومن هنا نفسر حجم التآمر الكبير وتعمد تشويه الصورة وتخويف عامة المسلمين ومثقفيهم وشعوب الغرب على حد سواء من أن تلك التجارب لا تجلب لكم سوى الدمار والتخلف والعودة للعصور الظلامية كما يصور ذلك إعلامهم الغربي أو الإعلام العربي المتحالف معهم... ؟؟

ومع إطلالة الربيع العربي في عام النهضة 2011 ومع بداية ثورة الشعب العربي ضد أنظمة الحديد والنار, والظلم والاستبداد والعمالة للغرب, بدأت وسائل الإعلام الغربية والتابعة لها الرافضة لكل مظهر إسلامي, بدأت بتسليط الضوء على الإسلاميين خاصة في الدول التي حسمت فيها الشعوب أمرها بدون أي تدخل خارجي وخلعت حكامها كما في تونس ومصر, فبدأت وسائل الإعلام المختلفة والمدعومة من الغرب بتخويف الشعوب من خطر وصول الإسلاميين للحكم من خلال صناديق الانتخاب مستخدمة كافة الوسائل لتحقيق ذلك الهدف, ومقتنصين أي فرصة لتصريح هنا وهفوة هناك نابشين في الماضي ومذكرين بفتاوى قديمة تدخل الرعب في النفوس, هامسين في أذن المرأة بأنك لن تكوني كما كنت في العهد السابق وسيحجر عليك هؤلاء إن وصلوا للحكم...حرب إعلامية شرسة ومؤامرات خفية خاصة في مصر وتونس اللتين لم تشهدا أي تدخل غربي خارجي يذكر أثناء الثورة...

أما في ليبيا فالأمر أكثر خطورة وإن اقتصر في المرحلة الحالية على وسائل الإعلام التي بدأت حملة مبكرة مدعومة من الغرب بالترويج للتيار الليبرالي ممثل في محمود جبريل ضد الإسلاميين بحجة ارتباط بعض قياداتهم بالجماعات الإسلامية المسلحة أو تنظيم القاعدة... الغريب في الأمر أن هذا التخويف المبكر من خلال الحملة الإعلامية يأتي قبل إحكام الثوار سيطرتهم على كامل المدن الليبية, و بقاء القذافي طليقا يقود كتائبه التي تقاتل بشراسة في سرت وبني الوليد...هذا التصعيد الإعلامي المبكر هو مؤشر واضح على حجم الخوف والقلق الذي لم تخفيه الدوائر الغربية والساسة في أمريكا من وصول الإسلاميين للحكم, خاصة وأن معظم الثوار المقاتلين والكثير من قياداتهم هم من الإسلاميين... هذا الصراع قد يدوم طويلا وهو مرشح في التصاعد ليصل إلى حد الاقتتال الداخلي بين من كانوا حلفاء الأمس في وجه النظام الليبي السابق, ومن غير المستبعد أن  تحدث عمليات اغتيال تطال بعض القادة العسكريين للثوار كالقائد العسكري مثلا لمدينة طرابلس عبد الكريم بلحاج المتهم أصلا بأنه من تنظيم القاعدة كضربة استباقية للتيار الإسلامي الذي يعبر تماما عن الشعب الليبي المسلم.

على التيارات الإسلامية المختلفة أن تعي حجم المؤامرة على الإسلام وحرص العالم الغربي على عدم وصولهم للحكم, وهو الأمر الطبيعي في دول غالبية سكانها من المسلمين, كما أن عليها أن تستفيد من التجارب المعاصرة التي سهلت على العالم الغربي التشويش والتشويه على تلك التجارب وإجهاضها, ومن المعيب أن تقع تلك التيارات بذات الأخطاء وتكون حطبا لنيرانهم التي يشعلونها بالفتن, فالمسلم كيّس فطن لا ساذج أو متهور, كما أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, فالقوة هنا تأخذ أشكال مختلفة منها الحكمة وقوة العقل, والسياسة دهاء والحرب خدعة... وجوهر السياسة الغربية في التعامل معنا كانت دائما تقوم على الخدعة والتضليل...

المطلوب من التيارات الإسلامية أن تستفيد من تجارب الإسلام السياسي المعاصر وآلية تعاملهم مع الغرب, وفي هذا نموذجان أما الأول: فيتمثل في التجربة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية هناك, والثاني يتجسد في التجربة التركية الإسلامية الضمنية من خلال حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية المعروفة والذي حقق نجاحات كبيرة في الداخل التركي العلماني القوي مستفيدا من تجارب وأخطاء الأحزاب التي سبقته وتم حلها والتخلص منها...

على الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا الاستفادة من تجارب الماضي, وعدم السماح بسرقة الثورة وأن لا يقعوا بذات الأخطاء فتضيع تضحياتهم هباء, فيجدوا أنفسهم وقد زجّ بهم في السجون بعد أن ساهموا في التغيير ليحصد بعد ذلك العلمانيين وحلفاء الغرب الثمار فتعود الشعوب لذات المربع, وعليهم أن يقنعوا شعوبهم أولا ثم العالم الغربي أن الإسلام السياسي غير مخيف كما تصور الدوائر الغربية والصهيونية له بل هو أكبر ضمانة لحقوق الإنسان والأقليات غير المسلمة, حتى اليهودية منها, فالتاريخ الإسلامي حافل بقصص العدالة التي لا نظير لها في تاريخ البشرية... وما سياسة التخويف من الإسلام السياسي إلا  كذبة وصناعة أتقنتها دوائر صنع القرار في العالم الغربي ومن خلفهم الصهيونية العالمية والتي هي من أكثر المروجين لها لضمان سيطرتهم الكاملة على المنطقة.

rawwad2010@yahoo.com