جدل الهُوية لدى جيل الاغتراب العربي في الغرب

اخبار البلد-

 
يحاول الشباب العربي المغترب في المجتمعات الأوروبية والأمريكية حل معضلة الاندماج الاجتماعي – الاقتصادي في المجتمعات المضيفة لتحقيق النجاح المهني والمادي، والتمتع برغد العيش الذي تتيحه هذه المجتمعات لمن ينجح  مادياً فيها مع المحافظة على درجة مناسبة من الخصوصية الثقافية فيصتدمون نتيجة لذلك بطروحات بعض الحركات الإسلامية السياسية المتشددة ، وبعض دعاتها من المتشددين، الرافضين للمجتمعات المضيفة وثقافاتها بالرغم من أنهم اتخذوا من هذه المجتمعات ملاذاً لهم يبثون فيها أفكارهم ودواعيهم، بعد مطاردتهم في مجتمعاتهم الأصلية التي نبذتهم لتطرفهم ، وتشدّدهم ، ورفضهم للمجتمع المعاصر وثقافته العلمية المنفتحة.  وهم يناصبون الاندماج الكلي أو الجزئي في المجتمعات المضيفة صريح العداء، كما يناصبون النساء وحقوقهن صريح العداء أيضاً. ويمتد هذا العداء إلى مجتمعاتهم الأصلية التي تركوها وليس إلى المجتمعات المضيفة فقط .
ومن المهم أن يحظى هذا الموضوع بالاهتمام البحثي والفقهي من قبل مراكز الأبحاث العربية والإسلامية بحيث يتم تقديم منظور فقهي إسلامي متسامح ، معتدل للاندماج، يدعم حاجة ورغبة الشباب المسلم المهاجر لتعلم لغة المجتمع المضيف، والحصول على التدريب المهني المناسب للحصول على وظيفة ودخل مناسبين. والتعامل بانفتاح وتسامح مع عادات وتقاليد وقيم الناس في هذا المجتمع المضيف، مع التمتع بحرية إقامة شعائره الدينية الخاصة، والاحتفاظ بمشاعر الفخر بأصوله ومعتقداته ضمن دوائر خاصة، تراعي احترام واختلاف الآخرين، وخصوصيتهم. وهذا ما يميز واقع غالبية المهاجرين العرب والمسلمين في البلدان الغربية، حيث تقبلوا ثقافة المجتمعات المضيفة مما مكّنهم من الاندماج المناسب، وتحقيق النجاح المادي في هذه المجتمعات. كما يميز الجماعات الكورية الجنوبية المهاجرة، وكذلك الجماعات الفيتنامية، والهندية، وعديد من الجماعات الأوروبية الشرقية التي نجحت في الاندماج في المجتمعات الغربية المضيفة مع المحافظة على ثوابت خصوصياتها الثقافية، فحصلت على تقبل واحترام هذه المجتمعات المضيفة، وتمتعت بمناخات الحرية، ومستويات المعيشة المرتفعة التي لطالما صبت إليها.
وحتى بالنسبة للمهاجرين السوريين إلى أوروبا الذين وصلوا حديثا إلى عدد من الدول الأوروبية ، لا سيّما ألمانيا ، وأغلبهم من اللاجئين الذي فروا من حروب داعش والمنظمات المتطرفة الأخرى، وقسوة الحرب الأهلية في سوريا التي لا تزال مستعرة منذ سنوات ، يتبين من نتائج عدد من الاستطلاعات الألمانية أنهم يتجهون نحو الاندماج في المجتمع الألماني اقتصادياً واجتماعياً بما يؤدي إلى اكتسابهم هُوية ثقافية جديدة بالتدريج تُغني هُويتهم الأصلية ولا تستبدلها. فقد أوضحت نتائج معهد أبحاث سوق العمل الألماني في نهاية عام 2016 المستمدة من 230 لاجئاً سورياً أعمارهم 15 سنة فما فوق أن 66 ٪ منهم يخططون للحصول على تدريب مهني يتناسب مع متطلبات سوق العمل الألماني، وأن 23 ٪ منهم يخططون للالتحاق بالجامعات والحصول على شهادة جامعية. كما يرى 30٪ منهم أنهم سيتمكنون من الحصول على عمل في ألمانيا خلال ثلاث سنوات. ويدعم 96 ٪ منهم النظام الديمقراطي على النمط الغربي، ويتقبلون القيم الاجتماعية الألمانية بما في ذلك المساواة بين الجنسين، وبنسبة 92 ٪ من المجموع. كما يرون مسلمون ومسيحيون أن القيادات الدينية ليست فوق القانون،  وأنه يجب أن تحاسب عند الخطأ ، وبنسبة 72 ٪ من المجموع .
 ومع بعض التحفظات على هذه النتائج  الإحصائية المرتبطة بأوضاع اللاجئين السوريين الشباب وحرصهم على رضا أصحاب القرار، ووجود ميل للاتفاق مع التوجه العام يمكن أن يؤثر عليها ، فإن هذه النتائج الإحصائية واقعية ومهمة، تؤشر على نمط عام لدى اللآجئين السوريين الشباب للاندماج في المجتمع الألماني، بالرغم من عديد من المخالفات الصارخة ،لاسيما التحرش الجنسي بالنساء الذي قام به نفر من هؤلاء الشباب أثناء بعض الاحتفالات الألمانية الموسمية ، فقد شارك مئات اللآجئين السوريين في تظاهرات ضد التحرش الجنسي بالنساء في مدينة كولونيا الألمانية معلنين أن المتحرشين مجرمين (حتى وإن كانوا من السوريين أو العرب) لا يمثلون القيم العربية، وذلك تحت شعار «سوريون ضد العنف» (1) . كما نظم عدد كبير من الشباب بمشاركة من الجمعيات الإسلامية المعتدلة مظاهرات ضد الإرهاب في أستراليا ، وفرنسا ، وفنلندا في إثر الاعتداءات الإرهابية الآثمة التي طالت فئات من المواطنين في هذه البلدان في النصف الثاني من شهر آب /2017 .