شرف والمركزي والاستقالة المفاجئة

" يجب أن يكون وزير المالية فظا غليظ القلب حتى لا يستباح موقعه وتنتهك حرمات الاقتصاد"، تلك كانت عبارة قالها لي وزير مالية سابق كان قاسيا حازما في التعامل مع حقوق الخزينة.
واستنادا إلى العبارة الآنفة، فإن منصب محافظ البنك المركزي يزيد أهمية على موقع وزير المالية فعبء الأول يتصل بسلامة النقد والبنوك والجهاز المصرفي عموما والاقتصاد من ورائه.
عندما كان يبتسم الان غرينسبان رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي السابق في الولايات المتحدة أو يبدي امتعاضه، كانت ترتفع أسهم وتهبط أخرى، وظلت قرارات المجلس واجتهادات غرينسبان أو بن برنانكي من بعده معيارا لواقع الاقتصاد الاميركي انتعاشا او ركودا في اكبر اقتصادات العالم على الاطلاق. اذن، موقع محافظ البنك المركزي كبير وحساس وذو أهمية بالغة للدولة واقتصادها، وتثير استقالة محافظ البنك المركزي السابق فارس شرف الكثير من الأسئلة سواء كانت استقالة أم إقالة، وفي الحالتين لم يمض الرجل الا عشرة شهور في منصبه وهو أمر غير مسبوق لقيادة "أبو البنوك" الذي كان على رأسه خمسة محافظين منذ نحو نصف قرن.
فارس شرف كما أعرف ومن خلال تحليل أسلوبه في قيادة الوحدة الاستثمارية للضمان الاجتماعي قبل نحو ثلاث سنوات، كان حريصا على المال العام لا سيما أموال الشعب التي تتدفق في صناديق الضمان، وخاض مواجهة لا يجرؤ عليها كثير من مسؤولينا مع رئيس الوزراء آنذاك سمير الرفاعي فيما سمي تسجيل اراضي دابوق لصالح صندوق الضمان قبل الحديث مع المستثمر المطور. يسجل لشرف – في عهده القصير في البنك المركزي – انه حول أول شبهة غسيل أموال باسم رجل الاعمال حسن السميك الى مدعي عام محكمة عمان، ولم يسبقه الى ذلك آخرون، ولست متأكدا إن كانت عملية التحويل تلك، قد أتت على عمر شرف في المركزي أم لا، لكنني أعلم أن المحافظ الشاب– اصبح سابقا – كان ملتزما بالقوانين في كل المواقع التي خدم فيها الدولة ضمن قطاعاتها الاقتصادية وتسجل له نزاهته ومصداقيته امام الرأي العام قبل النخب ورجال الاعمال الذين يعرفونه حق المعرفة، ويعلمون أنه لا يتهاون في حق الدولة ولا يساوم.
شرف لم يستقل من عضوية مجلس قروي حتى تطوى القضية وكأن شيئا لم يكن، لقد غادر الرجل موقع محافظ البنك المركزي وهو الموقع الذي نطمئن من خلال حسن ادارته على أموالنا وودائعنا وجهازنا المصرفي وعملتنا وكل ما يتعلق باقتصادنا من ملامح الضعف والقوة، وأخطر ما في هذه القضية أن لا يتم التعاطي معها بشفافية، فمن حق الشارع الاردني وبيئة الأعمال والرأي العام عموما أن يعرفوا جميعا ما الذي جرى مع شرف ولماذا، ومن هي الجهة التي اقصت شرف، وكيف يمكن وقف أي نفوذ يحد من استقلالية البنك المركزي ابو البنوك؟
لا أتوقع تغييرات في مسارات وادوات السياسة النقدية والمصرفية في البلاد ولكن رحيل شرف عن الموقع اثار اسئلة كثيرة ولا اجد لها اجابات، والمأمول أن تكون تلك المسألة سببا في تراجع مقصود عن الإصلاح والشفافية ودولة المؤسسات، وعلينا جميعا أن نعمل على فهم حقيقة ما جرى، وأن نعيد للبنك المركزي استقلاليته التي نعرف، حتى يبقى قلعة الاقتصاد الحصينة والعين الراعية لكل ما يدور حولنا من نشاط اقتصادي.
ليس مقنعا ما يتردد على ألسنة بعض الرسميين من أن شرف لم يكن على علاقة وثيقة بزملائه الوزراء أو بمديري البنوك، وهذا يجعل الرجل أعلى شأنا ولا ينتقص منه، فهو ليس موظف علاقات عامة دائم الابتسام، ويجب أن يحاسب على مهنيته وقانونيته وليس وفقا لحسابات الحب والكراهية وربما حسابات المصالح والنفوذ.