فرصة فقط ...! بقلم م. عبدالرحمن

إطلاق فكرة وزارة الشباب هذا العام بتشكيل حكومة شبابية من 60 عضواً موزعين على 12 قطاع وبرلمان للشباب من 96 عضواً موزعين على 12 محافظة أردنية، لعل هذه الخطوة تساهم في تعزيز دور الشباب في تحسين أوضاع البلاد والمشاركة في إيجاد حلول للتحديات بمنظور شبابي جديد، وهذه الفكرة التي تروج لها وزارة الشباب الحالية بوزيرها الشاب الذي يبذل جهوداً ملحوظة لمحاولة النهوض بواقع الشباب الأردني ليست بفكرة جديدة علينا، فقد كنا أحد من تم تكليفهم من رئاسة الجامعة التي كنا ندرس فيها برئاسة اللجنة التحضيرية للبرلمان الطلابي قبل ما يزيد عن 15 عاماً، عندما جاء التوجيه الملكي حينها بضرورة وجود برلمانات شبابية تبدأ من الجامعات الأردنية وتتشكل من طلابها وطالباتها على غرار مجلس الأمة لتساهم في صناعة القرار والنهوض بواقع المجتمع، ونذكر أننا بالفعل قمنا بإختيار ممثلي كليات الجامعة وبدأنا بالإجتماعات معهم للتحضير للخطوات القادمة، لكن الحقيقة أن الأمر لم يتجاوز تلك الخطوات ولم ترتقي الفكرة لما يطمح له الشباب في بلادنا في ذلك الوقت.
وليقفز اليوم تساؤل مهم عن الخطوات الجدية التي تم إتخاذها لنجاح الفكرة هذه المرة، خصوصاً وأنها وغيرها الكثير من الأفكار كانت في صعود وهبوط منذ سنوات طوال، مثل فكرة خفض عمر الترشح للإنتخابات النيابية التي لم ترى النور إلى يومنا هذا على سبيل المثال لا الحصر.
ولعلنا نتذكر جملة سمعناها من أحد أعضاء مجلس الأعيان في مؤتمر كان يهدف لتعزيز مشاركة الشباب الأردني في التنمية السياسية في البلاد شاركنا فيه خلال سنوات دراستنا الجامعية، عندما طرحنا وجهة نظرنا بضرورة منح الفرصة للشباب الأردني المتميز "وما أكثرهم" للمشاركة في الإنتخابات وتشكيل الأحزاب والتواجد في المواقع الحكومية التي يمكنهم من خلالها خدمة بلدهم بشكل أكبر وتخفيف القيود عنهم، فتجديد الدماء في هذه المواقع حاجة ضرورية إذا ما كنا نريد التقدم للأمام، وعندها أجابنا عضو مجلس الأعيان المشارك في المؤتمر بأنني لو علمت أن إبني سيشارك في أية إنتخابات لمنعته بنفسي !
لنجيبه أنه طالما بقينا نفكر بهذه الطريقة فلن نرى شباباً تتاح لهم الفرصة بيننا أبداً، ومن المحزن أن الحال اليوم بعد كل هذه السنوات بقي على حاله إن لم يكن قد إنحدر للأسوأ، فنرى التضييق على كثير من الشباب ومنعهم من المشاركة في قيادة بلادهم مرة من خلال كثير من الحكومات المترهلة التي بالكاد تختار وزراء من فئة الشباب لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة بين أكثر من 25 وزيراً في الحكومة وكأن الأمر ليس أكثر من ذر للرماد في العيون، أو حتى من بعض القيادات المجتمعية التي ترى بأنه لا يجوز منح الفرصة للشباب لأنهم "صغار" غير قادرين على تحمل المسؤولية، هذا برغم كل التجارب التي حولنا التي تثبت أن أكبر النهضات قادها شباب وأبدعوا في إدارتها والأمثلة كثيرة حولنا ونحن نرى اليوم حتى بعض البلدان المجاورة ممن كنا نتقدم عليهم في كثير من المجالات التقنية والعمرانية مثلاً قد سبقتنا بسنوات ضوئية في هذه المجالات وغيرها، فقط لأنها أتاحت المجال أمام الشباب ذكوراً وإناثاً للتواجد في كل المجالات والمواقع القيادية والمساهمة الفاعلة في نهضة بلادهم، ولعل هذه هي كلمة السر التي ستتيح لك بمجرد إدخالها في حاسوب المستقبل الخاص ببلادك الدخول إلى النتائج المستقبلية المبهرة والمتميزة بإذن الله.
هذا مع ضرورة التأكيد على أن هذه السطور لا تغفل أبداً ضرورة إحترام خبرة الكبار ووضعها فوق الرؤوس والإستفادة منها، فهي بركة البلاد وعبق إرثه وتاريخه، فإن كان الشباب هم روح البلاد المتجددة فالكبار هم قلب هذه البلاد النابض بخبرتهم وحكمتهم المتراكمة عبر السنين، ولا يمكن للقلب أن يشق طريقه نحو التميز والتقدم بدون روحه المتجدده ولا يمكن للروح المتجددة أن ترى نور طريقها في الإبداع والنجاح بدون قلبها النابض، ولذا كانت المصلحة الوطنية العليا في دمج روح الشباب وحماسهم مع خبرة وحكمة الكبار إن كان الطموح أن يشق الوطن طريقه نحو مستقبل أفضل وأجمل على كافة الأصعدة.
وخلاصة القول هي "فرصة فقط"، إمنحوها لشباب الوطن وإفتحوا أمامهم المجال للمساهمة بإبداعاتهم وتميزهم في نهضة بلادهم وعمرانها لنمنح بذلك الفرصة لوطننا الغالي على قلوبنا جميعاً للتجدد والتقدم بهمة كل أبنائه وبناته شباباً وشيباناً يداً بيد وكتفاً بكتف نحو مستقبل أكثر إشراقاً وجمالاً على كل ربوع بلادنا لطالما حلم به وتمناه وسعى إليه كل من يحبه بقلب صادق مخلص أمين.