مخطئ من ظن يوما ان لـ«الناتو» ضميرا

 

 


 

لا اجد ابلغ من قول امير الشعراء العرب احمد شوقي في رائعته الشعرية التي حملت عنوان «مخطئ من ظن يوما ان للثعلب دينا»، للرد على مجريات هذه الايام، وهي تحمل في طياتها تحذيرا واضحا لكل من يقرأها من منتسبي لغة الضاد لئلا يحسنوا الظن باعدائهم، وان لا يعتقدوا ان من يهدر الكرامة العربية في العراق وفلسطين سيكون غيورا على الحقوق العربية في ليبيا وسوريا، وان الذي اخضع العراق الى استعمار، ومشروع تقسيمي مباشر، ووقف طوال قرن مضى من الزمان ضد حقوق الفلسطينيين في فلسطين، وهيأ الاجواء لاكثر من مذبحة تعرض لها الفلسطينيون، وادت الى خسرانهم وطنهم، وتشتيتهم في شتى انحاء الارض سينتصر لحقوق الليبيين، وتهمه كثيرا الدماء السورية، ويتباكى على حقوق الانسان في اليمن، ومصر وتونس.

تلك الخديعة الكبرى التي نصبت شباكها للعرب في بدايات القرن الماضي عندما ظنت بعض القيادات العربية ان الدول الغربية ستساعدها للحصول على استقلالها والانفصال عن الحكم العثماني، وكان حكما اسلاميا، وبعد سقوط الخلافة، وانحسار العثمانيين الى القومية التركية عملت القوى التي اوهمت العرب انها ترمي لحصولها على استقلالها الى الحاق كافة الدول العربية بالاستعمار العسكري المباشر، وتم القضاء على الحلم العربي، وحالة النهوض التي كانت شرعت فيها مصر، وتعرضت البلاد العربية الى اقسى الاحتلالات العسكرية وفقدت ملايين الشهداء على مدى الثرى العربي للتحرر من حكم الاجنبي.

واليوم يعيد التاريخ نفسه فها هي القوى الغربية ذاتها والتي قاتل العرب لاخلائها من المنطقة هي ذاتها تقاتل الى جانب الثوار العرب للتحرر من الانظمة العربية المستبدة ويصار الى الوقوف في خندق واحد، ولا احد يدري عن الذي ستسفر عنه هذه المرحلة من التاريخ العربي، وامثولة التدخل الاجنبي لاسقاط النظام في المنطقة العربية ماثلة في العراق الجريح الذي خرج من التوازن العربي منذ بدأ الغرب باخضاعه للحصار ومن ثم للتدخل العسكري المباشر بدعوى تحرير شعبه من الدكتاتورية حتى سقوط البلد، وليس النظام، وكان العرب ينكرون التدخل الاجنبي في العراق الا ان نموذج المعارضة الخارجية العراقية يصار الى تعميمه اليوم ليشمل الدول العربية على النحو الذي يخدم توجهات ومصالح الدول الكبرى.

يقاتل الغرب في ليبيا، وبتدخل عسكري مباشر من حلف الناتو، وادى لوصول قوى اسلامية ظاهريا للحكم، وها هي سوريا تواجه حملة اعلامية عالمية للتوطئة لتدخل عسكري مباشر تحت دعوى تحرير الانسان السوري، وتحت الضغط الغربي سقطت انظمة عربية اخرى ويبدو ان الدائرة ستتسع، وربما سنصحو يوما وقد سقطت فكرة الجمهورية من القاموس السياسي العربي، والى جانبها السياسات الداخلية لبعض الدول العربية التي تتناقض مع ارادة الدول الغربية الرامية الى الهيمنة على مقدرات المنطقة، والتحكم بمصيرها سياسيا، واعادة انتاجها بشكل يتناسب مع مصالحها فمستحيل ان يكون التدخل الغربي، واستخدام قوات عسكرية في الحرب على اي دولة عربية جاء احتراما لحق شعبها في الحياة، وانما تستهدف طائراتها، وجيوشها ازهاق الارادة الحرة لبعض الدول العربية، وسياساتها المستقلة، وممانعتها، واكتفاءها الذاتي. الغرب لا يتدخل لاجل حقوق العرب وانما لتحقيق مصالحه، وهذه البوصلة تحدد علاقتنا بهذا الغرب، ولا يجوز ان نضع كل ثقتنا فجأة بما صار يسمى بالموقف الدولي، وننسى انها هي ذاتها الدول التي صنعت مأساتنا في التاريخ الحديث.

من حق العرب ان يتحرروا وان يقرروا مصيرهم في مواجهة استبداد السلطة على ان لا ينجروا الى حالة يتم فيها استبدال الاستبداد الداخلي باستعمار اقتصادي، وقتل روح الاجيال.

ودعونا نردد مع شوقي قصيدته الرائعة التي سبق الحديث عنها ولنأخذ منها العبر.



برز الثعلــــب يومــــــــا في ثياب الواعظينا.

فمشى في الأرض يهذي ويسب الماكرينـــا.

ويقول الحمـــــد اللــــــــه إله العالمينـــــــــا.

يا عباد الله توبــــــــــــوا فهو كهف التائبينا.

وازهـــدوا في الطــــير إن العيش عيش الزاهدينا.

واطلـبوا الديك يؤذن لصلاة الصبـح فينا.

فأتى الديك رســـــــــول من إمام الناسكينا.

عرض الأمـــــــــــــر عليه وهو يرجو أن يلينا.

فأجــــــــــاب الديك عذرا يا أضل المهتدينا.

بلــــــــــــــــغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا.

أنهم قالــــــــــــــوا وخير القول قول العارفينا.

مخطئ من ظن يـــــــــوما أن للثعلب دينا.