انقلاب على توصيات لجنة الحوار؟!
الفكرة الأساسية في النظام الانتخابي المقترح من لجنة الحوار الوطني هو: التمثيل النسبي للقوائم المفتوحة على مستوى المحافظات. ولم يتم التوصل لهذا المقترح صدفة! فقد بدأ الأعضاء مثل أهل بابل ينطقون بلغات شتّى بدون رابط، ثم خلال ثلاثة أشهر من الحوارات المكثفة والمضنية جرى تصفية مختلف المقترحات على قاعدة تقدير السلبيات والإيجابيات، وتقدير الأثر المنشود على الحياة السياسية والمشاركة، فتم الوصول إلى ما رأت الأغلبية أنه أفضل البدائل وأكثرها اقترابا من تلبية الأهداف المحددة للإصلاح المحددة في كتاب تكليف اللجنة.
لقد شارك بعض الوزراء في جميع اجتماعات اللجنة، ومن بينهم الوزير مازن الساكت الذي أيد توسيع الدوائر ومغادرة الصوت الواحد، لكنه أصرّ على بقاء النظام الأغلبي في المحافظات وعدم التحول إلى النظام النسبي. وفي حينه، احترم الساكت توافق لجنة الحوار الوطني التي تضم أكثر من خمسين عضوا يمثلون مختلف ألوان الطيف السياسي، ووصلوا إلى الصيغة الأكثر تقدمية ومراعاة للواقع، أمّا الآن، فكأن ثمّة نوايا انقلابية على مقترح لجنة الحوار والذهاب إلى مقترح آخر هو العودة إلى نظام 1989، مع تحديد عدد الأصوات للناخب بثلاثة؛ وهذا المقترح كان الساكت قد سبق وطرحه في لجنة الحوار.
سيكون هذا أمرا مؤسفا! وكان يجب اختصار الوقت فتبدأ اللجنة الوزارية هذا الجهد وتنهيه وحدها بدل تشكيل لجنة وطنية واسعة صرفت جهدا مضنيا وحصلت على دافعية قوية للعمل والتوافق بعد تأكيدات جلالة الملك أن مخرجات اللجنة بعهدته، وتأكيد الحكومة المتكرر بأنها ستأخذ بتوصيات اللجنة.
طلب البخيت التقاء لجنة الحوار يستدرك ما بدا أنه إهمال حكومي للجنة. وقد يكون الهدف الأدق هو التمهيد للأخذ بصيغة مختلفة عما أقرته اللجنة، انطلاقا من التشاور معها حول "مشكلات فنّية" في مقترحها، وتشريع التحول نحو صيغة أخرى. لكن في الحوار، كما علمنا، أصرت اللجنة على رأيها، وشرحت مقترحها ودافعت عنه جيدا. والمشكلة الفنّية صحيحة وموجودة في جانب معين من المقترح الخاص بالمقاعد الوطنية الخمسة عشر فقط وليس في النظام الأساسي. قوائم التمثيل النسبي في المحافظات ليس فيها أي مشكلة فنّية، مع العلم أنها المستهدفة بالتغيير الحكومي.
ليس هناك خلاف على منح الناخب ثلاثة أصوات في دائرته، بل إن الخلاف بجملة واحدة هو بين النظام الأغلبي والنسبي في المحافظات. فالأغلبي يعني لا قوائم حقيقية ولا تحالفات ولا تنمية سياسية ولا أحزاب ولا تغيير ثقافيا اجتماعيا، بل ديمومة العقلية والأساليب القديمة وكل الأمراض السارية الاجتماعية والسياسية. والعقلية المحافظة لا تريد التغيير الاجتماعي الحقيقي، فيتمّ الاكتفاء بدفع الضغوط بالطريقة التالية: نرمي لهؤلاء السياسيين الملحاحين عظمة المقاعد الوطنية الخمسة عشر ليتقاسموها بالتمثيل النسبي للقوائم، ونحتفظ بعالمنا القديم في المحافظات.