في وطني ..الفقراء لا يدخلون الجنة ..!!

يصدمنا الواقع كثيراً عندما ندرك أن ما نشاهده من أفلام سينمائية ما هو إلا ترجمة للواقع الأليم, وعندما تابعت فيلم ” فقراء لا يدخلون الجنة”, توقعت بانه مقتبس عن قصص ألف ليلة وليلة, وأن الممثل المبدع محمود عبد العزيز والممثلة الأنيقة آثار الحكيم والكاتب والمخرج مدحت السباعي, يبالغون في القصة لزيادة عدد المشاهدين لهذا الفيلم الذي بدأ يتبلور على حقيقة الواقع كلما انتشر الفقر والجوع والبطالة, لنجد ان الفيلم قد تحول الى مسلسل درامي يعاني من آثاره الفقراء الذين لا يدخلون جنة الدنيا.

وللحق وهو ما يؤلمنا كثيراً ويشعرنا بالاسى, أن القصة تحدث كل يوم في وطني, فمن يدفع الثمن دوماً هم الفقراء, ومن يتحمل الضغط والعبء الإقتصادي وسوء التخطيط هم ذاتهم الفقراء, ومن يدفع من قوته وعمله ثمن دعم الفاسدين وزيادة أعدادهم هم الفقراء, وحتى عندما يتولى أي مسؤول منصب, فإن أول ضحاياه الفقراء أيضا, وبالذات من النساء, فمن لا ظهر له سيجوع ويعرى تحت مسميات البنك الدولي العديدة التي يطلقها لتحسين الوضع صوب الأسوء, فيتم الإستغناء عن الفقراء الذين لا تعادل رواتبهم جزء ضئيل من رواتب أصحاب القرار, لكن بما أن البنك الدولي يفرض علينا التحديث, فيجب التضحية بالعديد من الأشخاص, والضحية دوماً وفي كل مؤسسة هم الفقراء الذين يشعر الجاهلون بأنهم أغنياء من التعفف.

هي ليست قصة واحده بل متعددة الأطراف ومنتشره في شتى المؤسسات الخاصة على وجه التحديد ثم الحكومية, لكن في القطاع الخاص يكون الظلم والغبن أكثر بكثير, كون صاحب القرار هو من يملك المال والبقية عبيد في مؤسسته "إلا من رحم ربي”, لذا نجد أنه عندما يقوم بتعين مسؤول جديد يبدأ هذه البطل الهمام ومن أجل النهوض بالمؤسسة, وتوفير بضغ دنانير على صاحب رأس المال بفصل الموظفين الفقراء الذين لا سند لهم إلا الله, ويقوم بتعين بعض أقاربه, وصاحب رأس المال يكون سعيداً كون المدير قد ساهم في إيجاد وفر مالي بإغلاق بعض البيوت, وقطع زرقها وسلبها أبسط مقومات الحياة.

هذا ما يحصل وربما تكون كلمة محمود ياسين لأحمد السقا في فيلم الجزيرة, "هذه الدنيا جنتنا ولا يخيل على الله بناء المساجد عن روحي”, هذا المدلول يدركه الأغنياء الذين يمنعون الخير وأسباب الحياة عن الفقراء المكافحين لأجل لقيمة العيش, والمعيب أنهم لا يدركون حجم المأساة التي يخلقونها للمجتمع والأسر, حين يمنعون الفقراء من الإقتراب من أسوار جنتهم متناسين قول الحبيب المصطفى عن الفقراء حين سأل أصحابه ” أتدرون من أول من يدخل الجنة من خلق الله”, فقالوا الله ورسوله أعلم, قال ” أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء والمهاجرون الذين تُسد بهم الثغور ويُتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره, لا يستطيع لها قضاء”, نعم وهؤلاء هم فقراء وطني الذين لا يجدون من رغد الحياة, فيحرسون ثغور الوطن, وفي القطاع الخاص يغادرون الى بيوتهم مكسوري الخاطر ويموتون وحاجتهم لم يبلغوها ولا "يمدون اياديهم لأحد”, وبعد هذا يستعرض الإغنياء قدراتهم على الفقراء الذين سيدخول جنة الله قبل أغنياء الأمة بخمسمائة سنة.!!

نهاية القول, الى من يملكون المال ويعتقدون أننا قد عدنا الى عصر العبودية ” ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء, وهذا المقال كتبته بعد أن شاهدت العديد من القضايا المؤلمة ولا يستطيع هؤلاء الفقراء أن يحصلوا على حقهم ويدافعوا عن أنفسهم, وشعرت أن فيلم الفقراء لا يدخلون الجنة واقع أليم تفرضه ظروف الواقع الأشد إيلاماً, فلنكن جسداً واحدا قوياً قبل أن نصبح أجزاء كل في مكان, ولنكن كالجسد الواحد الذي أصيب به عضو تداعى له البقية بالسهر والحمى.