طاهر المصري.. لحظة الحقيقة
بالتدقيق, علينا الانتباه إلى أن تقرير السفارة الامريكية (ويكليكس) المنسوب إلى طاهر المصري وعدنان أبو عودة, لم يوضح وجهة نظر المصري وإنما دمجها مع تصريحات أبو عودة, واعتبر أن الرجلين يتبنيان الموقف نفسه. وآمل أن يكذّب أبو نشأت, صراحة, تقرير السفارة الامريكية. وليس ذلك من قبيل الدفاع عن النفس, ولكن لفك الإلتباس.
يبدو أن السفارة المعنية بمراكمة وجهات نظر تخدم مشروعها للوطن البديل, أرادت دعم تحليل ينتسب, فكرا ولغة ومصطلحا, إلى أبو عودة, من خلال دمغه بتوقيع المصري أيضا. فهل الأمر كذلك? هذا سؤال برسم أبو نشأت.
يقول التحليل بضرورة استعداد النظام الأردني ل¯ "لحظة الحقيقة" التي سيواجهها الأردنيون ¯ الفلسطينيون لدى "صدمة" شطب حق العودة. وحسب التحليل, فإن اتخاذ إجراءات مبكرة لتطوير المؤسسات السياسية (البرلمان والحكومة) لاستيعاب الأردنيين ¯ الفلسطينيين, هو الصيغة الأكثر دينامية للتعامل مع " لحظة الحقيقة" تلك. ولا يتناول التحليل,"لحظة الحقيقة" بالنسبة للشرق أردني و"صدمته". ذلك ان الشرق أردنيين غير مطروحين, هنا, في المعادلة, كذات سياسية, وإنما تبع للنظام الذي, لإقناعه بالمراد, ينبغي إقناع الامريكيين الذين يتولون, بدورهم, الضغط على النظام ... وكأن البلد خلوٌ من أهلها.
من الظلم تجاهل الحرص الاستثنائي الذي يظهره ويمارسه طاهر المصري لاستيعاب وتفهّم مواقف ومصالح كل الفئات والاتجاهات من كل المكونات في البلد, وخصوصا ميوله للتواصل مع أبناء المحافظات.
يا ليت طاهر المصري, حسم, في لجنة الحوار الوطني, التوصل إلى تفاهم حول صيغة لقوننة فك الارتباط. ولو حدث ذلك, لكنّا اليوم أقوى في مواجهة التطورات, ولكانت وثائق ويكليكس أصبحت من الماضي. والمهمة ما تزال مطروحة. وإنني لآمل أن يبادر المصري إلى المطالبة الصريحة بتضمين تعليمات فك الارتباط في قانون الجنسية, بما يسمح بإغلاق الملف في إطار وحدة الشعب الأردني ¯ بكل مكوناته ¯ ووحدة كيانه السياسي ووحدة هويته. وهو ما ينبذ الثنائية والتجنيس والتوطين, ويفتح الأفق للتحول الديموقراطي في إطار الوطنية الأردنية والعدالة الاجتماعية والمساواة القانونية والسياسية.
وكل ذلك لا علاقة له برؤية عدنان أبو عودة حول تنظيم العلاقة الداخلية بين الأردنيين والفلسطينيين التي تضمنها كتابه بالإنجليزية الصادر مطلع العقد الماضي, بعنوان " الأردنيون والفلسطينيون والمملكة الأردنية الهاشمية". وخلاصة أطروحة أبو عودة تكمن في الإقرار بالثنائية الوطنية في البلد ما يفرض ضرورة إقامة ما يمكننا وصفه بفدرالية أردنية - فلسطينية داخل الأردن. لكن العامل الذي لم يأخذه ابو عودة بالحسبان هو إمكانية الاستقلال السياسي للوطنيين الشرق أردنيين وقدرتهم, بالتالي, على اجتذاب الفئات الشعبية الوطنية من المكوّن الفلسطيني وعرقلة وإسقاط مشروع الفدرالية الثنائية لصالح وحدة الشعب والكيان والهوية في مواجهة ستظل مفتوحة مع إسرائيل من أجل التحرير والعودة.
يتضمن التقرير الإدعاء أن المصري وابو عودة يائسان من أية تسوية لحق العودة ليس فقط إلى مناطق ال¯ 48 بل أيضا إلى الضفة الغربية, وهما ينطلقان من أن (لحظة الحقيقة) المقبلة هي التي سوف يقتنع فيها الفلسطينيون ¯ الأردنيون بأن عودتهم مستحيلة, وأن وطنهم النهائي هو الأردن. غير أن (لحظة الحقيقة) التي نعيشها بالفعل, اكثر مرارة. فهناك أكثر من مليون مهاجر حر من ابناء الضفة الغربية قرروا الهجرة والإقامة في الأردن باختيارهم الطوعي, وهم يستطيعون العودة إلى الضفة الغربية وقتما يشاءون, سوى انهم يفضلون الحصول على الجنسية الأردنية والإقامة الدائمة في المملكة. ولعل هذه هي النقطة المتفجرة في ملف المواطنة التي يمكن سحب فتيلها بحظر التجنيس قانونيا ونهائيا.
لا أحسب أن لحظة الحقيقة بالنسبة للفلسطينيين والأردنيين تكمن في ضرورة الاستعداد لاستيعاب مخرجات الهزيمة ¯ وكأنها قدر ¯ ولكن في ضرورة المقاومة. فحتى لو قبلنا بالفدرالية داخل الأردن, هل ستكف إسرائيل عن الطرد الناعم ¯ وربما الخشن ¯ للمزيد من الفلسطينيين? ومَن يضمن لفدرالية شرق النهر, السيادة والاستقرار والتقدم ? ومن يضمن الا تمتد المستوطنات إلى عقر دار الفدرالية , ومَن يهُن..