المهندس ليث شبيلات يكتب : كلام استراتيجي في الإصلاح: حول فهلوة القائلين بأن الإصلاح جسر (للوطن البديل)!

يجب أن يكون للمرء والدولة نظرة كلية تنطلق منها وعلى أساسها البرامج الفرعية التي تخدم في النهاية الرؤية الكلية. وإن التصدي للأمور الجزئية بعيداً عن النظرة الكلية يفضي إلى عكس المطلوب. كما يجب أن يدرك بأن الدولة التي ليس لها عدو خارجي ستظهر فيها العداوات الداخلية.

الإصلاح الصحيح ينطلق من قراءة حقيقية لوضع الأردن. هل الأردن هو الأرض التي بقيت بعد هزيمة 1967 ? هل هزيمتنا في حزيران هزيمة حرب نهائية أم إنها هزيمة قاسية ولكن في معركة من معارك حرب لم تنته? هل انتهت الحرب بين المشروع الصهيوني المتحرك باستمرار وبين الدولة الأردنية فضلاً عن الأمة العربية? هل انتهى العدوان الصهيوني على الأردن بتوقيع معاهدة وادي عربة? أم إن المعاهدة لها وجهان :هدنة مؤقتة عندهم لمرحلة يقضم فيها الكيان العدواني الضفة الغربية ويهضمها لكي يعيد فتح فمه وبطنه باتجاه ما تبقى من "أرض إسرائيل"? (الضفة الشرقية لإسرائيل كما وصفها رئيس الكنيست عام 1996 وهو يستقل الطائرة لتلبية دعوة المرحوم الملك حسين للإفطار الرمضاني)? أما عند دولتنا وكثير من أجيال شوهت تربيتهم فهي وهم حل نهائي حدد حدود الأردن الجديد وضمن حدوده بوريقات قد لا تساوي مستقبلاً الحبر الذي كتبت فيه? حدود "مضمونة" دون داع لجيش كبير أوخدمة عسكرية إلزامية, بل تقليص الجيش وإنشاء قوات درك مضافة إلى قوات أمنية متضخمة. لماذا? هل العدو أصبح عدواً داخليا?

الخلاف العلني هو بين الوطنيين الواعين وبين السلطات الرسمية ومجتمع يصدق كثير منه "ثوابتها" السياسية الجديدة بعد وادي عربة : أن لا عدو في غرب البلاد يتهيأ للانقضاض على ما تبقى سياسياً وحتى عسكرياً. وبات المناهض للصهيونية مضطهداً من الأجهزة الرسمية يعامل على أنه هو العدو الداخلي للأردن وأن قوات الأمن والدرك المتضخمة معبأة لمواجهة هؤلاء ناهيك عن المخابرات العامة التي لم تكشف شبكات التجسس التي أقامها ويقيمها "الصديق الإسرائيلي الجديد" في البلاد.

إن أية إصلاحات لا تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع الاستراتيجي حتى لو نجحت فإنها ستغير من واقع استبدادي قابل بنتائج وادي عربة وممانع لبناء أية قوة وطنية مناهضة للخطر الصهيوني التالي إلى واقع جديد شبه ديموقراطي يعمل تحت نفس السقف الاستراتيجي.

الأخطر أن تجاهل الواقع الموصوف أعلاه يجعل الغافلين وحتى القوى الوطنية المدركة لهذا ولكن لا تنطلق مشروعاتها من هذا الواقع بدعوى التأجيل يجعلهم مشاركين في العمل ضد المصلحة الاستراتيجية للوطن.

يجب حسم هذا الموضوع الاستراتيجي فالحكومة لا تنوي ولا تجرؤ ولا تقبل أن يحظى الواعون لهذا الخطر الزاحف على الأردن بكل حرية إعلامية وتنظيمية جماهيرية تعبئ المجتمع حول هذا الشعار الأساسي الضروري لحماية الأردن.

ويكذب من يربي المجتمع والأجيال على أن الأردن بعد أن" حسم أمره" في وادي عربة لا يحتاج إلا إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي على هذا الأساس. إن أية إعادة ترتيب للبيت على هذا الأساس ما هي إلا عين مشروع الوطن البديل وكل من يناهض الوطن البديل من هذا المنطلق فكأنما يكتفي من الآية ب¯"ويل للمصلين". وتصبح مقاومة الوطن البديل صراعاً داخلياً محوره رفض وجود من كانوا جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية التي نص دستورها على أن أرضها لا ينزل عنها أو أي جزء منها. وأن عليهم أن يرحلوا. وبما أنهم لا يستطيعون الرحيل غرباً فليكن شرقاً أو جنوباً أو تهجيراً إلى كندا وأستراليا وأمريكا الجنوبية.

أما إن أكملنا الآية ب¯" الذين هم عن صلاتهم ساهون" فإن ذلك يعني بأن حق العودة الذي يتوحد عليه جميع الأردنيين هو السبيل الوحيد لمقاومة مشروع الوطن البديل بل ومنع تهجيرنا جميعاً إلى العراق مستقبلاً كما في المشروع الصهيوني ولا يتأتى حق العودة إلا بالعسكرة والمقاومة. وشتان بين مقاومة الوطن البديل بدسترة الهزيمة ومقاومة الوطن البديل باستعادة الوطن الذي هو جزء من الوطن العربي الذي يجب علينا استعادة كل ما سلب منه فضلاً عن استعادة ضفة مملكتنا الغربية. ولا يدرك الراضون بتخلينا عن الضفة الغربية بأن ذلك لن يخدم استراتيجياً إلا المصرين على أن الضفة الشرقية هي الضفة الشرقية "لإسرائيل".

فلو أردنا جدلاً أن نتوافق مع الطرح الآخر لرافضي الوطن البديل (لا شأن لنا بحق العودة) فهل يعتقد أصحاب هذا المنطلق أن ما تبقى من الأردن محم في المستقبل من العدوان والاحتلال السياسي تحت التهديد العسكري (الأردن هو فلسطين) أوالاحتلال العسكري المباشر (الأردن هو إسرائيل)? فالخلاف اليوم في الكيان العدو ليس بين من يطرحون شعار الأردن هو للأردنيين وبين من يطرحون شعار الأردن هو فلسطين! بل بين هؤلاء الآخرين وبين الأكثر تشدداً الذين يعتقدون ويعلنون أن "الأردن هو إسرائيل". هذا ليس سراً إلا عند من لايقرأون الأدبيات العلنية للصهاينة. ولكن من منا يقرأ?

قائد المنطقة الوسطى الصهيوني يصرح قبل سنوات بأن هذا آخر ملك هاشمي ولا تقيم الحكومة الدنيا ولا تقعدها وتبقى العلاقات الدافئة ! وعضو الكنيست إلداد يحصل على موافقة الكنيست على مشروع (الأردن هو فلسطين) بأغلبية 53 صوتاً رغم الأصوات المعارضة التي تتهمه بالخيانة لأن الأردن في رأيهم هو "إسرائيل". ولا تعتبر حكومتنا أن هذا عدوان على الأردن ونقض للمعاهدة, بل تعتبره زوراً وبهتاناً رأياً شخصياً فقط لإلداد رغم حصوله على أغلبية في برلمانهم صوت معها حزب العمل برئاسة وزير الدفاع باراك! ويصرح وزير خارجيتنا "لا فض فوه" بأنه سيتصدى لهذا بماذا? بالعسكرة? لا ! بل بالالتجاء إلى المجتمع المدني الصهيوني! كالمستجير من الرمضاء بالنار! ويعقد ليبرمان وزير خارجيتهم مؤتمراً دولياً هذه المرة في تل ابيب قبل أربعة شهور تحت عنوان "الأردن هو فلسطين". ولم تستفز حكومتنا ولم يستفز إعلامنا ولا حتى جمهورنا الممنوع أمنياً من إبداء عواطفه, فالمعتصمون الجريئون أسبوعياً عند جامع الكالوتي لا يتجاوز عددهم المائة أو المائتين. فماذا حل بمجتمعنا ? ومن هم الذين مع الأردن ? ومن هم المتآمرون على أمن واستقرار الأردن والمتخاذلون في حمايته بعد كل ما تقدم?

من هنا نبدأ في مسيرة الإصلاح!

عندما نعيد الوعي لمجتمعنا بأن له عدوا متربصا يتقدم عليه يومياً تطفأ أية فتنة سببها الهوية. هل هي هوية منهزمين سيبتلع ما تبقى من أرضهم لاحقاً بعد أن يدمروا بعضهم بعضاً ? أم هوية جامعة تدرك واجبها الشرعي والوطني والدستوري أردنياً (وكذلك عربياً كما نصت المادة الأولى من الدستور). عندئذ يبدأ الإصلاح ! يبدأ ضد الطغيان والتفرد والفساد الذي كان هو السبب وراء كل هذه المصائب فضلاً عن مصائب إفقار الشعب الذي وعد بالسمن والعسل بسبب من المعاهدة ومصائب نهب ثروات الوطن.

إن الإصلاح في الأردن تواجهه حكومات ومراكز قوى سياسية وأمنية تخدع عواطف الشعب متهمة قوى الإصلاح بأنها قوى الوطن البديل وكأنها لم توقع هي على معاهدة الوطن البديل. وإن مقاومة الفساد والطغيان لا يمكن لها أن تنجح إذا اعتقد جزء كبير من الشعب بأن قوى الفساد والإفساد هي التي تحميه من فزاعة مشروع الوطن البديل. ذلك المشروع الذي لم يكن يوماً في فكر ووجدان أي من أبناء الشعب إلا عملاء فاسدين من شرق وغرب النهر بل كان منذ مدة وزمان في مخططات الرسميين المتنازلين خطوة خطوة عن مصير البلاد.

وبالتوازي ودون غياب ما سبق يطرح ابتداءً موضوع الفساد الكبير الذي لم يجر ولا يجري إلا تحت رعاية من لا يستطاع الوصول إلى محاسبتهم وضرورة التوقف عن هذه الرعاية والإعلان من قبل اصحاب الرعاية عن ذلك. وإجبار السلطة السياسية على احترام الدستور بشكله القائم حيث لا احترام للدستور ولا يوجد أية جهة قانونية مؤهلة تجرؤ على تفسير تصرفات السلطة على أنها غير دستورية. إن أكبر تصرف غير دستوري هو ذلك التصرف الذي يقلب نظامنا النيابي الملكي إلى نظام ليس له مثيل لا في العالم ولا في التاريخ :ملكي رئاسي, رئيس لا يحاسب يتخذ القرارات التي يتشاور فيها مع مئات من "مستشاريه" غير الدستوريين الذين هم ليسوا إلا مرآة لأرائه, ثم ما يحتاج من قرارات إلى قوننة يطلب من الوزراء شكلياً إصداره لتوشيحه بالتوقيع السامي.

لذلك من أراد أن يكون مؤهلاً للمطالبة بالتعديلات الدستورية يجب أن يكون مؤهلاً لوقف الاعتداء على الدستور بوضعه الحالي وإيقاف المتطاولين الكبار عليه وعلى ثروات الأردن وأراضيه عند حدودهم. وهو أمر ليس بالهين ويحتاج إلى رجولة امتلأ بها وطن الآباء وباتت في نقص شديد هذه الأيام ! ولا يتأتى بمطالبة الفاسدين بالتوقف عن الفساد بل بتسميتهم وبمواجهة كل صاحب شرعية بأن لا شرعية له إن بقي راعياً للفساد. وهذا يحتاج إلى جرأة كبيرة تكاد تكون معدومة في مجتمع استشرى فيه الخوف ومبدأ (حادت عني ? بسيطة!) مجتمع يصحو فيه المواطن إلى واقع أنه هو دافع الضرائب وأن من حقه بل من واجبه مساءلة السلطة عن كل فلس أين ذهب وإلى جيب من وصل. ودون وجود هكذا جرأة سيبقى التغول على الدستور لا يختلف فيه الأمر في حالة وجود تعديلات إلا بتغيير طعم أفواه الغيلان التي تلوك الدستور ولا يوجد من يخرج الدستور من أفواههم!