إننا محكومون بالأمل
اخبار البلد-
بينما كنا جلوسا على عتبات المخيم ... نروي الحكايات عن الأيام الجميلة التي عشناها ... ليست هنا وليست الآن ... هي في مكان آخر حيث يقول ميلان كونديرا الحياة هي في مكان آخر ... نضحك قليلا لنستمر في العيش.
وبينما نحن كذلك إذ أقبل علينا رجل شديد سواد الثياب ... شديد بياض الشعر ... وطلب منا سيجارة ... فأشعلنا له واحدة وأبقينا قلوبنا مشتعلة لضرورة ما هو ضروري .. عرضنا عليه شرب القهوة ... رفض وثنى ركبتيه وجلس قبالتنا على حجر استعاره من شارع يعج بالأجساد ... والعقل مناط تكليف لا تشريف، فما أجمل البيوت وما أبشع ساكنيها.
يبدو أنكم لستم من هنا ... ضحكنا ... وبدون تردد أجبناه: نعم. ولكن كيف عرفت؟!
ابتسم الرجل ابتسامة صفراء ... إنه عالمي وسجني وأعرف كل صغير وكبير هنا ولا أحد يعرفني. أصابتنا طريقة كلامه بالدهشة. وقلنا له إننا من فلسطين ولكن نأتي إلى هنا بين الفينة والأخرى لبعض الامور. فقيمة الإنسان تُحدد بجهوده لا بأصله.
وأنا أيضا من فلسطين ... مثلكم. وأشعلنا له سيجارة ثانية لأننا لم ننتبه كيف التهم الأولى وكأنه لم يُدخن من شهر ... أتعرفون يا أبناء شعبي ... كأن على رؤوسنا الطير جلسنا نستمع إليه ... هناك شعوب لا تُصبح مفيدة إلا عندما تتحول إلى رماد ... ونحن من هذه الشعوب ... فأنا من فلسطين ولدت هنا ولكن جدي من غزة وأبي ...ولا أحد لنا هنا.
لا نملك حق العودة لأننا نحمل هويات بيضاء ... تُعرف هنا أنها لأبناء قطاع غزة، الشعب الذي فقد حق مواطنته. لم نرضَ، حيث كنت ألوم جدي عن وجوده هنا .. فكان رده أنها مسألة وقت وبعدها نعود إلى ديارنا ... مات جدي ومات أبي ولم تبق الديار ديارا ولم أبق إلا الغزّاوي الذي لا يملك إلا الوجع والنبوءات التي لا تتحقق في بلاد أضيق من رغيف خبز.
ما دخل رغيف الخبز يا رجل قلنا له ونحن نضحك من نوبة طبيعية لكائن يحب الحرية في الحديث. أكمل كلامه حتى دون أن ينتبه لسؤالنا ... يا أبناء شعبي لقد وعد الناس الكبار الشعب هنا بدعم الخبز بحيث يعطون كل عائلة مبلغا من المال مقابل رفع سعر الخبز وهذا الكلام لم يمض عليه الكثير ... ففي العام الماضي أعطوا كل الشعب أم هذه السنة حرموا أبناء قطاع غزة بحجة الاقتصادي المتردي والاضطراب النمائي في الموازنة العامة والانحراف الزائد في المنحنى غير الطبيعي.
هل ترون الشوارع أمامكم ... نعم ... إغلاق هنا وتحويلة هناك ... حفر هنا وهدم هناك أتعلمون لماذا؟
إنه من أجل فكرة باص لن يكون سريعا.. يزعمون أنه سيخدم الشعب.. أظنه لن يخدم إلا أبناء الذوات وطبقة الكريما ... لأن الباص لن يأتي وفي النهاية تُصبح الطريق المخصصة له ... للمواكب والاستعراض وربما لسيارات الإسعاف ... فالموتى بالقهر هنا أكثر بكثير من شهدائكم هناك.
يبدو أنني ثرثرت كثيرا وأوجعت رؤوسكم بحديث لم يُكتب بعد بالإبر على مآقي البشر ليكون عبرة لمن اعتبر.
دوركم أنتم حدثوني عن أهلي وناسي في فلسطين ... حدثوني عن طفلين بوزن كل الجيوش العربية، فقلت له:
لم يبلغوا الحلِم وإنما بلغوا الحُلم .. ألقتهم أمهاتهم في بحر من الدماء ... ولم تصبح قلوبهن فارغة... لأنهن يعلمن أن الله رادهم إليهن ... وأن النهاية المنطقية لحياة أي كائن هو الموت ... لكن لا أحد يرغب في النظر إلى عينيه. فنظر الصغيران إليه ورفضا ما يتردد عن العرب ... أُمة تعيش في الماضي وأن التاريخ لم يُفلح في إلهامها للخروج من هذا الواقع العفن ... فاستكانت واستهانت بنفسها وجلست بانتظار خروج المخلّص ... ولا خلاص بدون إرادة. رحلة الحياة تبدأ من الموت ... فحملوا أحلامهم وجراحهم وغضبهم... وأرادوا تقديم هدية لشعبهم ... يهودي أو اثنين على بوابة بيت المقدس ... لم تبلغ سكاكينهم المطلوب ... فكان رصاص العدو أسرع إليهم. غرقا في دمائهم حتى تبللت العتبات بالدماء والدموع وزغردن الأمهات من الشرفات لأنه سيمر وقت قصير ليولد فلسطيني بهذه العظمة والشموخ وبهذا الحب العظيم للحرية ... فأبقوا الأبواب مفتوحة وليغمض الجبناء عيونهم. فما يزال في هذا العالم الضيق والرمادي متسع لشيء اسمه الأمل ...وحتى عندما نخسره نُعيد ابتداعه ... فهو من يمنحنا القدرة على الاستمرار. إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ كما يقول سعد الله ونّوس.
وبينما نحن كذلك إذ أقبل علينا رجل شديد سواد الثياب ... شديد بياض الشعر ... وطلب منا سيجارة ... فأشعلنا له واحدة وأبقينا قلوبنا مشتعلة لضرورة ما هو ضروري .. عرضنا عليه شرب القهوة ... رفض وثنى ركبتيه وجلس قبالتنا على حجر استعاره من شارع يعج بالأجساد ... والعقل مناط تكليف لا تشريف، فما أجمل البيوت وما أبشع ساكنيها.
يبدو أنكم لستم من هنا ... ضحكنا ... وبدون تردد أجبناه: نعم. ولكن كيف عرفت؟!
ابتسم الرجل ابتسامة صفراء ... إنه عالمي وسجني وأعرف كل صغير وكبير هنا ولا أحد يعرفني. أصابتنا طريقة كلامه بالدهشة. وقلنا له إننا من فلسطين ولكن نأتي إلى هنا بين الفينة والأخرى لبعض الامور. فقيمة الإنسان تُحدد بجهوده لا بأصله.
وأنا أيضا من فلسطين ... مثلكم. وأشعلنا له سيجارة ثانية لأننا لم ننتبه كيف التهم الأولى وكأنه لم يُدخن من شهر ... أتعرفون يا أبناء شعبي ... كأن على رؤوسنا الطير جلسنا نستمع إليه ... هناك شعوب لا تُصبح مفيدة إلا عندما تتحول إلى رماد ... ونحن من هذه الشعوب ... فأنا من فلسطين ولدت هنا ولكن جدي من غزة وأبي ...ولا أحد لنا هنا.
لا نملك حق العودة لأننا نحمل هويات بيضاء ... تُعرف هنا أنها لأبناء قطاع غزة، الشعب الذي فقد حق مواطنته. لم نرضَ، حيث كنت ألوم جدي عن وجوده هنا .. فكان رده أنها مسألة وقت وبعدها نعود إلى ديارنا ... مات جدي ومات أبي ولم تبق الديار ديارا ولم أبق إلا الغزّاوي الذي لا يملك إلا الوجع والنبوءات التي لا تتحقق في بلاد أضيق من رغيف خبز.
ما دخل رغيف الخبز يا رجل قلنا له ونحن نضحك من نوبة طبيعية لكائن يحب الحرية في الحديث. أكمل كلامه حتى دون أن ينتبه لسؤالنا ... يا أبناء شعبي لقد وعد الناس الكبار الشعب هنا بدعم الخبز بحيث يعطون كل عائلة مبلغا من المال مقابل رفع سعر الخبز وهذا الكلام لم يمض عليه الكثير ... ففي العام الماضي أعطوا كل الشعب أم هذه السنة حرموا أبناء قطاع غزة بحجة الاقتصادي المتردي والاضطراب النمائي في الموازنة العامة والانحراف الزائد في المنحنى غير الطبيعي.
هل ترون الشوارع أمامكم ... نعم ... إغلاق هنا وتحويلة هناك ... حفر هنا وهدم هناك أتعلمون لماذا؟
إنه من أجل فكرة باص لن يكون سريعا.. يزعمون أنه سيخدم الشعب.. أظنه لن يخدم إلا أبناء الذوات وطبقة الكريما ... لأن الباص لن يأتي وفي النهاية تُصبح الطريق المخصصة له ... للمواكب والاستعراض وربما لسيارات الإسعاف ... فالموتى بالقهر هنا أكثر بكثير من شهدائكم هناك.
يبدو أنني ثرثرت كثيرا وأوجعت رؤوسكم بحديث لم يُكتب بعد بالإبر على مآقي البشر ليكون عبرة لمن اعتبر.
دوركم أنتم حدثوني عن أهلي وناسي في فلسطين ... حدثوني عن طفلين بوزن كل الجيوش العربية، فقلت له:
لم يبلغوا الحلِم وإنما بلغوا الحُلم .. ألقتهم أمهاتهم في بحر من الدماء ... ولم تصبح قلوبهن فارغة... لأنهن يعلمن أن الله رادهم إليهن ... وأن النهاية المنطقية لحياة أي كائن هو الموت ... لكن لا أحد يرغب في النظر إلى عينيه. فنظر الصغيران إليه ورفضا ما يتردد عن العرب ... أُمة تعيش في الماضي وأن التاريخ لم يُفلح في إلهامها للخروج من هذا الواقع العفن ... فاستكانت واستهانت بنفسها وجلست بانتظار خروج المخلّص ... ولا خلاص بدون إرادة. رحلة الحياة تبدأ من الموت ... فحملوا أحلامهم وجراحهم وغضبهم... وأرادوا تقديم هدية لشعبهم ... يهودي أو اثنين على بوابة بيت المقدس ... لم تبلغ سكاكينهم المطلوب ... فكان رصاص العدو أسرع إليهم. غرقا في دمائهم حتى تبللت العتبات بالدماء والدموع وزغردن الأمهات من الشرفات لأنه سيمر وقت قصير ليولد فلسطيني بهذه العظمة والشموخ وبهذا الحب العظيم للحرية ... فأبقوا الأبواب مفتوحة وليغمض الجبناء عيونهم. فما يزال في هذا العالم الضيق والرمادي متسع لشيء اسمه الأمل ...وحتى عندما نخسره نُعيد ابتداعه ... فهو من يمنحنا القدرة على الاستمرار. إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ كما يقول سعد الله ونّوس.