الضرائب على التجارة الإلكترونية
لا يختلف اثنان على أن مختلف الأنشطة الاقتصادية، بما فيها التجارية، يجب أن تخضع للقوانين والأنظمة ومنها الضرائب، إلا أن هنالك مجموعة من المحددات والاعتبارات التي يجب أن تأخذها الحكومة بعين الاعتبار عند صياغة سياساتها الخاصة بذلك.
ومن هذا المنظور، فإن تأييد أو رفض فرض الضريبة العامة على المبيعات على التجارة الالكترونية لا يؤخذ بمعزل عن سياق التحديات التي تواجه الاقتصاد والمجتمع الأردني.
من هذه الاعتبارات أن اقتصادنا الوطني يعاني من حالة تباطؤ اقتصادي منذ سنوات عدة، تراجعت فيها غالبية القطاعات الاقتصادية، وجانب من استمرار حالة التباطؤ الاقتصادي تعود أسبابه الى الاختلالات القائمة في النظام الضريبي المعمول به.
حيث تسيطر الضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم) على الوعاء الضريبي، وهي تقارب 75 بالمائة من مجمل الإيرادات الضريبية.
هذا الاختلال نجم بشكل رئيسي عن عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على إنفاذ القانون وتحصيل حق الخزينة والمجتمع من ضريبة الدخل من العديد من أصحاب النفوذ الاقتصادي، واستسهال فرض ضرائب على الاستهلاك، وغياب التوازنات الاجتماعية بين مختلف مكونات المجتمع؛ حيث سيطرت طبقات وفئات اجتماعية بعينها على عملية رسم السياسات الاقتصادية لخدمة مصالحها، في ظل منع القانون لطبقات وفئات أخرى عن تنظيم نفسها، فغابت السياسات التوافقية.
ومن الاعتبارات أيضا أن هذه الاختلالات في النظام الضريبي زادت العبء الضريبي على المجتمع، في ظل تباين قدرات مكونات المجتمع في التكيف مع هذا العبء؛ إذ تراجعت القدرات الشرائية لغالبية المواطنين بشكل ملموس بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات، في ظل ثبات نسبي لمعدلات الدخول، ما أسهم في إضعاف الطلب الكلي وبالتالي عمق حالة التباطؤ الاقتصادي.
كذلك أدت الاختلالات في الهيكل الضريبي الى توسيع التفاوت الاجتماعي (اللامساواة) بين مكونات المجتمع المختلفة؛ حيث ازدادت أعداد الفقراء، وانضمت فئات جديدة لهم تتمثل في العاملين بأجور تقل عن خطوط الفقر، ولذلك نشهد حالة عدم الثقة الواسعة بين مؤسسات الدولة وبين الغالبية الكبيرة من المواطنين.
كان متوقعا من حكومة الرزاز، وبعد اعترافها رسميا في بداية عهدها بهذه الاختلالات، البدء بتصويب هذه المعادلة المختلة باتجاه زيادة الإيرادات الضريبية المباشرة (الدخل)، وتقليل الضرائب غير المباشرة، الا أنها ذهبت بالاتجاهات ذاتها التي عملت فيها الحكومات التي سبقتها، وأصرت على تمرير قانون ضريبة دخل غير عادل، لم يؤد الى تحسين الإيرادات العامة، بل عمق أزمتنا الاقتصادية والاجتماعية، لا بل وسع منسوب عدم الثقة بين الحكومة وغالبية المواطنين.
من هذا المنظور، نرى أن فرض ضرائب غير مباشرة جديدة تحت أي مسمى، بما فيها الضريبة على التجارة الالكترونية بمعزل عن مختلف هذه الاعتبارات وغيرها، وبدون الوقوف عند آثارها الاجتماعية، سيؤدي الى نتائج عكسية، ولن تستفيد منها خزينة الدولة، ولا قطاع التجارة التقليدية.
كذلك، فإن الحساسية الاجتماعية للحكومة التي تمنعها من عدم الإفصاح عن مؤشرات الفقر التي انتهت دائرة الإحصاءات العامة من استخراجها منذ بداية العام الحالي حفاظا على السلم الاجتماعي والأمن الوطني، هي الظروف ذاتها التي يجب أن تدفع الحكومة لعدم فرض ضرائب على التجارة الالكترونية، بما فيها الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي.