«صفقة القرن» وعقوبات «هواوي»

دونالد ترمب اعلن عن موعد جديد لإطلاق مشروعه السياسي صفقة القرن في اعقاب اعلان نتائج الانتخابات في الكيان الاسرائيلي المقررة في 17 ايلول سبتمبر القادم؛ وهو بذلك يتجاهل المعيقات التي ستقف امام تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة والتي ستفقود الى مفاوضات شاقة ستمتد ما يقارب الشهرين؛ حقائق تضعف مصداقية الاعلان الذي قدمه ترمب من على منصة اعلامية تهدف لحشد ناخبية من اليمين الصهيوني والانجيلي المتطرف.

اعلان ترمب غير العقلاني يمثل محاولة لإعادة توجيه الانظار عن الملف الاقتصادي في امريكا بعد ان اطلقت تحذيرات جدية من امكانية دخول امريكا في ركود اقتصادي طويل؛ جدل اشعله انقلاب منحنى العقود والسندات طويلة وقصيرة الاجل في امريكا؛ منحنى اثار جدلا كبيرا بين الاقتصاديين في امريكا وانبأ بأزمة متفجرة تسير بالتوازي مع ارهاصات فشل الحرب التجارية التي يشنها ترمب على الصين؛ فالحرب التجارية والسياسة الحمائية بدأت تتخذ منحى جديدا مرتدا في آثاره على الاقتصاد الداخلي في امريكا؛ حقيقة تعكسها عمليات التأجيل المتواصلة لتطبيق العقوبات على شركة هواوي الصينية لتداعياته الخطرة على الشركات الامريكية؛ تأجيل يشبه في طرافته وضحالته عمليات التأجيل المتكررة للاعلان عن صفقة القرن. 
ترمب انكر المؤشرات ودعا ناخبية للتصويت له لضمان استمرار النمو الاقتصادي؛ واستفاد من تجاهل الاسواق للمعلومات المتناقلة حول انقلاب منحنى العقود والسندات الاجلة والعاجلة في امريكا؛ وهو تجاهل لن يطول على الارجح.
ترمب في ظل هذه الجلبة لا زال يراهن على اليمين الانجيلي المتطرف وعلى اليمين الابيض العنصري من خلال صفقة القرن وجدار المكسيك كراهنة على الحمائية التجارية والجمارك المرتفعة؛ ترمب لا يزال يبيع الاوهام لناخبيه المتطرفين حول امكانية عقد صفقة القرن التي ستجلب للكيان الاسرائيلي الاستقرار وتضمن له السيطرة على المنطقة العربية كما بشر ناخبيه المتحمسين لسياسته الاقتصادية وحربه التجارية ونزعته الحمائية الانعزالية التي بدات بالارتداد على الساحة الداخلية في الولايات المتحدة الامريكية. 
ترمب قلق وسيزداد تعلقا بالصفقات السياسية بعد فشل الصفقات الاقتصادية؛ غير ان هواجسه تتعاظم مع تواتر الانباء عن انتكاسات محتملة لليمين في اوروبا وعلى رأسهم حليفة جونسون رئيس الوزراء البريطاني الجديد الذي يواجه شعبية متراجعة بعد اسبوع من تولية منصبه؛ وبعد تراجع اليمين في ايطاليا بتفكك الائتلاف الحاكم بين قوى اليمين وانسحاب حزب رابطة الشمال بزعامة ماتيو سالفينني من الائتلاف الحكومي بقيادة رئيس الوزراء جوزيبى كونتي وحركة خمس نجوم دافع الحزب وزعيمة لويجي دي مايو للبحث عن ائتلاف يضم قوى اليسار لمواجهة حزب رابطة الشمال المعادي للاتحاج الاوروبي والمتشدد في التعامل مع المهاجرين. 
اليمين في اوروبا عرضة لانتكاسة حقيقية وترمب كذلك ولم يبق امامه الا الحديث عن صفقة القرن على امل حشد اليمين المتطرف الانجيلي فالازمة الاقتصادية تلوح في الافق والعام 2020 سيكون عام التراجع الاقتصادي بحسب كثير من الخبراء والمراقبين داخل امريكا وخارجها؛ بل وعام التراجع العسكري بالانسحاب من افغانستان والفشل في بحر الصين والباسفيك والخليج العربي ايضا؛ فالتراجع لم تقتصر مؤشراته على الاقتصاد فقط والتأجيل لم يقتصر على صفقة القرن وعقوبات هواوي اذ شمل التراجع عن ملفات امنية بتأجيل الرد الساحق على اسقاط ايران لطائرة امريكية بدون طيار.