اعتصامات السفارات
مألوف في كل الدول أن تقوم أي مجموعة بالاعتصام أمام سفارة أي بلد لإظهار التأييد لتلك الدولة في مواجهة أي موقف او لمساندتها وهي تخوض حربا أو تعبر أزمة, ويكون الاعتصام أيضا لإعلان موقف رافض لسياسة تلك الدولة بشكل عام او قضية من القضايا , وهي أشكال تعبير سلمية وهدفها أن تصل الرسالة لقيادة تلك الدولة عن موقف شعب او شعوب .
خلال المرحلة الأخيرة شهدت عدة سفارات في بلادنا عددا من الوقفات الاحتجاجية من فعاليات وأحزاب أو تجمعات نسائية, وهذا جزء من تداعيات المرحلة العربية العامة, وكان أهمها ما كان أمام السفارة السورية لان الحشد كان من قوى فاعلة مثل الإسلاميين, وكانت هناك فعاليات في رمضان لقوى مختلفة, وكانت هناك أيضا تجمعات مؤيدة للنظام السوري من مواطنين سوريين ومواقف مؤيدة أخرى من شخصيات وأحزاب أردنية تعتقد أن ما تتعرض له سوريا مؤامرة دولية, وكل هذا أيضا من تداعيات المرحلة وتباين الاجتهادات في التقييم.
البعض اختار أيضا أن يتجمع عند السفارة السعودية لكن ليس احتجاجا على سياسة الأشقاء بل تحريضا لهم على أن لا يقدموا مساعدات للأردن, مع أن المتوقع أن نعبر للأشقاء عن شكرنا وتقديرنا وهم يستحقون ذلك ولأننا في مرحلة اقتصادية صعبة لا نتوقع فيها من أي شقيق إلا مد العون ومنا جميعا أن نشكر من يقف إلى جانبنا.
وقبل أيام كان اعتصام مجموعة من المواطنين أمام السفارة الأمريكية والدافع الاحتجاج على تدخل السفارة في الشؤون الداخلية الأردنية, والتأكيد على رفض الوطن البديل والدفاع عن الهوية الأردنية, وهو تعبير يخدم حق الدولة وان كانت كل أشكال التعبير يجب أن تبقى ضمن سياق القانون ودون إخلال بأمن الأردن أو تحميل الدولة أثماناً سياسية.
اعتصام السفارة الأمريكية غابت عنه قوى سياسية كبيرة مع أنها كانت تقضي ساعات أمام سفارة سوريا وتقيم عدة نشاطات, وهو غياب يثير تساؤلات عن السبب الحقيقي وهل هو مرتبط بالقضية التي يتم الاحتجاج عليها وهي رفض المس بالهوية الوطنية ورفض مشاريع التوطين والوطن البديل أم هي أسباب أخرى.
ما دمنا جميعا نعمل تحت سقف القانون فالتعبير مكفول لكن من الأولى أن يكون الاعتصام مسانداً للقضايا الوطنية الكبرى مثل رفض المس بالهوية الوطنية أو رفض الأفكار الصهيونية الموجهة ضد الأردن وفلسطين, او حتى مساندة للدولة في مواجهة أي عمليات تحريض عليها من قبل اللوبي الصهيوني مثلما يتم الآن وبخاصة في المواسم السياسية الكبرى التي يكون فيها الموقف الأردني حاسما في نصرة القضايا العربية أو في التصدي للفكر الصهيوني الذي يستهدف الحقوق الأردنية الأساسية
وحتى السفارة الإسرائيلية فان الاعتصام أمامها احتجاج على المواقف الإسرائيلية أمر مشروع وجزء من حرية التعبير , وسواء كنا ممن يرون مصلحة في علاقات رسميه مع إسرائيل أو ممن يرفضونها فان الجميع ليسوا قابلين بما تفعله الحكومات الإسرائيلية تجاه القضايا العربية.
وبغض النظر عن الدول وسفاراتها فان ما يجب أن نتفق عليه دائما أن المصلحة الأردنية العليا هي الأهم, وانه لا يجوز القيام بأي عمل يدخلنا في جدل سلبي أو مواجهة بين من يعتصم ورجال الأمن , وهذا يكون من خلال الاعتصامات السلمية التي تصل من خلالها الرسالة , لان تجاوز هذا الأمر لا تدفعه الدولة صاحبة السفارة بل ندفعها نحن جميعا , وتهتز صورة الدولة ونستنزف أنفسنا في توتر بيننا.
حق التعبير وإيصال الرسائل مكفول للجميع لكن حق وطننا علينا أن نبتعد به عن التوتر الداخلي , وان تبقى صورة العملية الديمقراطية ايجابية دون أن ننزلق إلى مغامرات بمهاجمة سفارة أي دولة لان هذا يخل بأمن الأردن أولا ويقدم الدولة باعتبارها غير قادرة على حماية ما لديها من البعثات الدبلوماسية .
ما يعنينا هو الأردن أولا وأخيرا , وما يهمنا هو مصالح الدولة التي لا تستقيم مع أي توتر داخلي او ظهور الدولة بحالة ضعف لا تمكنها حتى من حماية بعثات دبلوماسية لديها, أما الموقف من أي دولة فمن الطبيعي أن نتفق أو نختلف عليه بشكل ديمقراطي وسلمي.
ce@alrai.com