إبراهيم جابر إبراهيم يكتب : "ويكيليكس" الأصدقُ إنباء من الكُتبِ!

الكثيرون صاروا يستقون أخبارهم، وأخبار البلاد، هذه الأيام من "ويكيليكس"، حتى أظنّهم يرجعون لآخر ترجمات الوثائق لمتابعة حالة الطقس!
وهذا ليس جديداً على ثقافتنا العربية، فقبل ذلك قال "حسني البورزان": إذا أردت أن تعرف ما يجري في ايطاليا عليك ان تعرف ما يجري في البرازيل!
لذلك لم يعد غريباً ان تبحث بعض الصحف والفضائيات عن أخبار "سياسي سابق" في الوثائق، بينما هو يسكن خلف مبنى الصحيفة بشارعين!
فبحكم الظرف السياسي المتوتر، لاقت هذه الوثائق رواجاً لافتاً، وباتت "مُصدّقة" تماماً، فلا يكاد يأتيها الباطل من بين يديها، رغم أنها قادمة من "الغرب" الذي كنا للتوّ نشتمه ونتهمه بأنه متفرغ للتآمر علينا، ورغم أنها مكتوبة بلغة الامبريالية العالمية، التي تسهر كل ليلة حتى الفجر تحيك لنا الدسائس!!
لكنه حين يتعلق الأمر بهوى في أنفسنا، لا تصير القصة قصة "رمّانة" بل قصة "القلوب المليانة"، وتصير "ويكيليكس" للبعض، هي "جهيزة" هذا الزمان، التي "قطعت قول كلّ خطيب"!
والمفارقة أنه رغم التجاذبات القائمة بين شتى الاتجاهات، والمذاهب والأمزجة السياسية، ورغم تباين الغايات، إلا أن الكل يجد في سوق "ويكيليكس" بضاعته المنشودة، وسلعته المنتقاة، فالقائمون على هذه "البسطة السياسية" لا يردّون طالباً، ولا يُخيّبون آمال قاصد، لكن أحداً من هؤلاء الذين يقفون مبهورين على باب السوق لا يسأل نفسه عن سرّ التوقيت، ولماذا تذاع أسرار بعض الدول بالتسلسل؟! ولخدمة من؟ ومن وراء ذلك!
البعض إما انه بريء الى حدّ مريض، أو أنه تستهويه اللعبة، فيروح ينتقي عن "بسطة الإشاعات" ما يغذي خطابه، ويخدم نواياه، بدون أن يتكلّف السؤال: لماذا الآن؟ ولماذا يراد لي أن أكون وسيلة لتناقل وترداد هذه "الوثائق"؟!
والطريف أنه وهو يمدّ كفّيه الاثنتين ليتناول ما راق له من الوثائق يشيح بعينه عن وثيقة أخرى لا تخدم خطابه... فلا ينتبه أن "سوق السلاح" هذا سيستقبل كل الزبائن، وأن "صناعة الفتنة" لا تنطوي على غاية رسالية!
لستُ، بالطبع، ضد حرية الإعلام، وحرية المتلقي في البحث، وتقصّي المعلومة من كل مصادرها، لكننا نكون سذّجاً حين نهمل عنصر "التوقيت" في أي قضية يجري تسريبها، وحين نفترض حُسن النوايا عند "غربٍ" كُنّا نتهمه قبل قليل بأنه مسؤول عن كل مصائبنا!!
والمؤسف أن "ويكيليكس" وجدت من يتناقلها بتوقير، وينزّهها عن الخطأ والزلل، لأنها تخدم فكرةً ما في رأسه... غافلاً عن فكرةٍ ما أكبر في رأسٍ ما "هناك"!
والمهين، أيضاً، أن نظلّ على هذه الحال، نستقبل كل ما يحاك لنا، طائعين مبتهجين، فلا نسأل: هل وظّف الآخرون كل مقدّراتهم لنا ولخدمتنا وهل أفرجوا عن كل هذه "الأسرار" من باب البرّ والإحسان؟!
ونظلّ نتذكر محمود درويش "كم عرب أتوك ليصبحوا غرباً، وكم غرب أتوك ليدخلوا الإسلام من باب الصلاة على النبيّ وسُنّة النفط المقدّس"!