التَشَدُّق بِقَضَايا الوطن

اخبار البلد- 

الوطنية ليست كلمةً تُكتب، أو شعارًا يُرفع، إنما إيمانٌ وخُلق وسلوك، إنها شعور وإحساس المواطن بالمسؤولية تجاه نفسه أولًا وتجاه وطنه ثانياً، وليس للتّباهي والتّهكم على الآخرين، هي قيم راسخة في نفسِ كلِّ إنسان نشأ في بيئةٍ نقيّةٍ طاهرة يُترجمها من خلال مجموعة من السلوكيات المُنضبطة مع مصلحة وطنه، التي لا يعلو عليها مصالح أخرى، أو ولاء أو انتماء لمنهج أو حزب، أو أي فكر مستورد يضر بالوطن ومصالحه؛ فهي بذلك تحتاج إلى تضحياتٍ جِسام.
‎ هذا ما يجب أن تكون عليه المواطنة الحقّة، فالقارئ لتاريخ الأمم يجد الكثير من التضحيات لأجل الوطن والدفاع عن الأرض، فالوطنيّة ليست مجرد كلمة تمرُّ على الأسماع أو شعارًا للأشخاص الذين يجعلون منها رمزًا للوصول إلى مآرب خاصة، أو مفتاحًا لأبواب السياسة للتنفع منها، حيث يَكثُر ظهورهم في المناسبات الوطنيّة والاجتماعيّة، ويتغنون بها بأفصح الكلمات والمعاني، هؤلاء هم من يُطلق عليهم المُتَشَدِّقون بالوطنيّة وقضايا الوطن، ويستحقون لقب الوطنيّة الزائفة، سواء أكانوا عناصرَ أو قيادات، ونراهم على صفحات الصُّحف والتواصل الأجتماعي والقنوات الفضائيّة يقفون موقف المتفرج على ضياع منجزات الوطن، كما يحاولون الظهور بمظهر الوطنيّ المخلص الصادق، ولسان حالهم يقول: «الكرسي.. ولتذهب البلاد إلى الجحيم». 
‎ هؤلاء الناس مهمتهم الوحيدة الكذب وبيع الكلام، وتضليل الشعب بكلامهم المعسول الذي يتَشَدّقون به ويُسوّقون له، وهم في الواقع ليسوا إلا باعة كلام لتضليل الشعب المتشوق لكلمة صادقة وأمينة تكشف له الحقيقة؛ لتبرئة أنفسهم مما ارتكبوه ومازالوا فى حق الشعب والوطن مقصرين، ويُصرِّون على الهروب وبيع الكلام متهمين من يخالفهم الرأي بالجهل والخيانة، وتجدهم يتعاملون بطريقة السخرية واتّهام الآخرين متناسيين بذلك قول رسول الله - عليه الصلاة والسلام- في الحديث الشريف، عن جابر رضي الله عنه أنّ رسول الله - صلَّ الله عليه وسلم- قال:»إنّ من أحبكم إليّ وأقربكم منى مجلسًا يوم القيامه أحسنكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضكم إليّ وأبعدكم منى مجلسًا يوم القيامه الثرثارون، و المُتَشَدِّقون، والمُتفيهقون، قالوا: قد علمنا الثرثارون والمتَشَدِّقون فما المُتفيهقون؟ قال:المتكبرون», رواه الترمذي وقال حديثٌ حسن. ويشتهر أصحاب هذه الفئة بمهارتهم في التَشَدّق بالكلام واطلاق الوعود، وعندما تسألهم عن عدم الإيفاء بها يزعمون بفساد من سبقهم بتدمير البلاد، فهم الشماعة التى يعلقون عليها فشلهم، وبذلك يغلقون عنك باب الحقيقة.
‎ إنِّ العمل من أجل بناء الوطن لا يتطلب أن تكون في الصف الأول أو الثاني أو ذي منصب ووظيفة مرموقة، فالوطنيّ منْ يعيش لوطنه لا من يتعيّش عليه، وللأسف فالكثير من المفاهيم باتت غير صحيحة في فهم العمل للوطن أو من أجل الوطن، فنحن الآن بحاجة ماسّة لوقفة جادة مع أنفسنا، نُعري من خلالها المفاهيم، وننسف عنها الشبهات، كي لا تجترنا وآخرين لمواضع شبهات حقيقية تحت أغطيتها، علينا بالأفعال لا بالأقوال، فالوطن لا يحتاج لكثرة الأقوال والقصائد والغزل بقدر حاجته للتضحيات والأعمال البناءة لتُسهم في دفع عجلة التطور والتقدم، فالأعمال دائمًا أعلى صوتًا من الأقوال، فليس التَشَدّق بالوطنيّة وقضايا الوطن وكثرة التواجد بالمناسبات مقياسًا صحيحًا للوطنيّة، فإن خلا التطبيق السليم لمفهوم الوطنيّة على أرض الواقع انعكس سلبًا على الوطن ككل، فلنعمل جادين بصدق وأمانة لنكون من أهل الوطنيّة والانتماء بأفعالنا لا بأقوالنا؛ فالوطن غالٍ ونفيس.
‎ فضعف الوطنيّة والانتماء أو انعدامها، مرض خطير فتّاك يهدد المجتمع والوطن، وعلاجه الوحيد الرجوع للمبادئ والمكونات والمخزون الثقافي والاجتماعي الذي استمده آباؤنا وأجدادنا من ارتباطهم الروحي والنفسي بوطنهم الذي عاشوا وماتوا فيه ودُفنوا تحت ترابه.