رئيس الوزراء التركي يتألق على المسرح العربي

 


أسر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قلوب كثيرين من العرب بلهجته الصارمة التي يستخدمها مع اسرائيل لكن اصواتا عديدة في تركيا وخارجها تشكك في توجهه نحو بناء دور قيادي لتركيا في المنطقة العربية التي كانت يوما ما خاضعة للامبراطورية العثمانية.

وقال اردوغان في كلمة امام الجامعة العربية في القاهرة امس الاول مستخدما لغة محسوبة لتسعد الجماهير العربية «بكاء طفل فلسطيني في غزة يوجع قلب أم في أنقرة». وربما بدت رسالة اردوغان عن كيفية مشاركة الاتراك للعرب نفس المشاعر غريبة على صورة تركيا السابقة الحليفة العسكرية للولايات المتحدة والطامحة الى الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والمترفعة على الشرق الاوسط «المتخلف» على عتبتها الجنوبية.

وسحر النموذج التركي لب العرب لسنوات عدة لكن لم تجرب اي دولة عربية نظامها الذي يمزج بين الديمقراطية العلمانية والقيادة الاسلامية والنجاح الاقتصادي.

لكن الدور التركي غير مؤكد في ظل السيولة التي تشهدها المنطقة حيث تجتاح الثورات الشعبية العديد من الدول العربية من بينها بعض الدول المفضلة لدى انقرة في الشراكة السياسية والاقتصادية مثل ليبيا وسوريا الى جانب مصر القائدة التقليدية للعالم العربي.

وقال نبيل عبد الفتاح من مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة ان كل تحركات تركيا ضد اسرائيل لا تستهدف غير الترويج لنفسها كقوة سياسية في العالم العربي ونشر نفوذها على الجيل الجديد من الشبان العرب الذين يتوقون للتغيير والقوة.

وقال عادل سليمان وهو محلل سياسي مصري اخر ان تركيا بالرغم من كل حدتها الشفهية الموجهة الى اسرائيل لن تخسر حليفتها السابقة وهي كعضو في حلف شمال الاطلسي ما زالت حليفا مهما للغرب. لكن تركيا تشعر أنها منبوذة من الاتحاد الاوروبي واقل اهمية لدفاعات حلف شمال الاطلسي بعد انتهاء الحرب الباردة مما دفع اردوغان الى البحث عن اصدقاء جدد وأسواق جديدة في الشرق الاوسط.

ووجد خطاب اردوغان صدى لدى العرب - وكان قد قال ايضا ان اعتراف الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية واجب - وكذلك وجد صداه الايجابي لدى قاعدته السياسية الاسلامية في تركيا. ورحب الاف المصريين باردوغان لدى وصوله الى مطار القاهرة. ويحترم كثيرون من العرب الرجل لمواجهاته المتكررة مع اسرائيل منذ مغادرته بغضب المنصة التي كان يقف عليها مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس في دافوس عام 2009.

كما رحبت جماعة الاخوان المسلمين التي كان لها حضور بارز في الحشد الذي استقبل رئيس الوزراء التركي باصلاحات اردوغان كرئيس لحزب قائم على اساس اسلامي نجح في تحييد النفوذ السياسي لجنرالات الجيش العلمانيين حتى مع صعود الاقتصاد التركي.

وسلطت الصحف التركية الضوء على «استقبال الابطال» الذي حظي به اردوغان فيما سخر المعلقون العلمانيون من رحلته الى كل من مصر وتونس وليبيا وهي الدول التي اطيح بزعمائها. وقال جنيد ارجايوريك في صحيفة جمهوريت «مساكين هم العرب فكيف يعرفون ان الشخص الذي ينصحهم عن الديمقراطية لا يراها الا عربة او وسيلة لتحقيق اهدافه الخاصة والنزول من العربة بمجرد تحقيق ذلك». ووصف الكاتب اردوغان بأنه «الصدر الاعظم للجمهورية العثمانية». وارتفعت شعبية اردوغان الشخصية في العالم العربي.

واظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للابحاث في اذار نيسان ان 78 في المئة من المصريين لديهم ثقة فيه وكذلك 72 في المئة من الاردنيين و64 من اللبنانيين. واتخذ نحو 95 في المئة من الاسرائيليين الرأي المعاكس تماما. وكانت هذه النتائج قبل ان يطرد الزعيم التركي السفير الاسرائيلي الاسبوع الماضي بعد ان رفضت اسرائيل الاعتذار عن قتلها لتسعة اتراك في هجوم لقوات اسرائيلية خاصة على سفينة مساعدات تركية كانت تحاول العام الماضي كسر الحصار الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة.

وقال اردوغان ملوحا بقوته البحرية ان السفن الحربية التركية ستصاحب اي قوافل مساعدات الى غزة في المستقبل وهو الاعلان الذي ازعج الولايات المتحدة كما ازعج اسرائيل. وغابت هذه الروح القتالية كثيرا عن الجامعة العربية التي لم تواجه اسرائيل خلال حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي دام 30 عاما والذي عكف على صيانة اتفاقية السلام بين القاهرة واسرائيل.

وقال محمد يس /27 عاما/ خبير الاستثمار المصري ان ظهور اردوغان في الجامعة العربية كان كزيارة المعلم لتلميذ فاسد بليد لا يرغب في التعلم.

ومن شأن تصدر أجنبي مسرح القضية الفلسطينية كما فعلت ايران من قبل ان يثير حفيظة الزعماء العرب لكن مع هوان ثقلهم لا يمكنهم الاعتراض.

وقال خالد الدخيل المحلل السياسي السعودي ان بعض الناس يتحدثون عن طموحات تركيا في استعادة دورها العثماني لكن الاغلبية في السعودية لا تفكر بهذه الطريقة.

وقال ان الدول العربية ضعيفة في هذا الوقت لذا فهي لا تستطيع تفادي اتساع الدور القيادي لتركيا في المنطقة واضاف ان الدول العربية تريد من تركيا ان تحقق التوازن مع ايران الشيعية.

وقال الدخيل ان ايران تلعب دورا طائفيا مما يجعل تحالفاتها في المنطقة قائمة على الانتماء الطائفي لكن تركيا دولة علمانية ذات اغلبية سنية. وانهارت سياسة «اللامشاكل» التي اتبعها اردوغان مع جيران تركيا بخلافه مع اسرائيل والانتفاضات الشعبية في الدول العربية التي اجبرت انقرة على ادخال بعض التعديلات الحرجة على سياستها في المنطقة.

وعارضت تركيا التدخل الغربي في ليبيا التي ترتبط معها باتفاقات بقيمة 15 مليار دولار وتباطأت في الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الذي اطاح بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي بعد حكم دام 42 عاما. واصبح على اردوغان الان ان يخطب ود الحكام الجدد حفاظا على مصالح تركيا الاقتصادية في ليبيا.

وفي سوريا بنى اردوغان صداقة مع الرئيس السوري بشار الاسد وبنى علاقات سياسية واقتصادية مع جارته التي عادت أنقرة من قبل. وبعد ان حث الاسد اكثر من مرة على وقف قتل المحتجين واجراء اصلاحات فقد صبره