تعديلات "نصف" تاريخية
بدأنا أمس ماراثون الجلسات التي وصفت بالتاريخية حول التعديلات الدستورية. وكنّا أكدنا مرارا أنها تعديلات ممتازة لكنها "محدودة"، وقصرت عن الوصول إلى قضايا رئيسية تشكل جوهر الإصلاح الديمقراطي المنشود.
وأبدأ من وقائع الجلسة التي تثبت بذاتها وجود أمور كان يجب أن تعدّل، ومنها إعادة صياغة نصوص تحسم الاجتهادات الخلافية في تفسير نصوص الدستور؛ حيث تحيل هذه الاجتهادات التفسيرية مجلس النواب إلى هيئة عاجزة محدودة السلطة والصلاحيات.
خذ مثلا حق مجلس النواب في النظر في القانون المطروح أمامه، وهو الدستور. إذ لا يجوز أن نبحث سوى المواد التي قدمت الحكومة تعديلات عليها، وهذا أول عيب. إذ إن اللجنة الملكية، ومن بعدها الحكومة أي السلطة التنفيذية، تستطيع أن تسرح وتمرح في التعديلات أنّى تشاء، ثم يقيد مجلس النواب بالبحث فقط في هذه التعديلات، ولا يستطيع أن يفتح أو يضيف أي مادّة.
وأكثر من ذلك، فداخل المادّة نفسها التي تناولها التعديل لا يستطيع المجلس أن يبحث سوى الفقرات التي عدلتها الحكومة، أمّا الفقرات من المادّة نفسها التي لم تمدّ الحكومة يدها لتعديلها فمحرم على مجلس النواب بحثها. وكلّ ذلك ليس سندا لنصوص دستورية، بل سند لتفسيرات المجلس العالي لتفسير الدستور، والتي نعرف أنها تميل غالبا لمصلحة السلطة التنفيذية، وتتأثر بالمناخ السياسي؛ فإذا كان التشدد والتضييق على الديمقراطية هو السائد تنحو قراراتها للتشدد، والعكس صحيح كما رأينا في نقابة المعلمين التي حرمها المجلس في الماضي ثم أباحها الآن سندا لنفس الدستور.
وأمس، بدأنا الماراثون بخلاف حول حق المجلس في بحث أو تعديل فقرات لم تتناولها الحكومة داخل مادّة جرى تعديل فقرات أخرى فيها. وبالطبع، تمّ تطبيق الاجتهاد المتشدد الذي يمنع بحث فقرات أخرى. وبافتراض أن هذا الاجتهاد هو الأقرب لمقاصد التفسير الذي قدمه المجلس العالي في مناسبتين قديمتين (العام 1955 والعام 1974)، وبالتالي أقرب لمقاصد الدستور، فإن هذا يوضح فقط كم كان ضروريا أن تشمل مراجعة الدستور هذه الأمور.
بدأنا أمس من المادّة السادسة التي عدلت فيها فقرتان. والتعديل الذي أجرته اللجنة القانونية على نص الحكومة يكاد يكون لغويا تجميليا، ومع ذلك استغرق وقت الجلسة الصباحية كله. ولولا نجاح التمنيات على بعض النواب لسحب اقتراحاتهم التعديلية، لاستغرق التصويت ساعات إضافية أخرى. وهذا ميدان آخر قصرت التعديلات الدستورية عن تناوله. فآلية النقاش والتصويت المنصوص عليها في الدستور غير واقعية أبدا (المناداة بالاسم في التصويت على كل مقترح وقد تظهر عشرات المقترحات). ولنتخيل بعد ذلك أن يختلف النواب والأعيان، فنعود إلى التصويت بهذه الطريقة في جلسات مشتركة (180 نائبا وعينا). وكل هذا في الجانب الفنّي، وقبل أن ندخل على آليات العلاقة وحسم القرار بين الحكومة والنواب والأعيان المصممة بطريقة تكبل إرادة ممثلي الشعب.