تفسير النتائج يحتاج الى متخصصين في القياس والتقويم


قبل كل شيء اقول لكل الذين عملوا في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2019م بوركت جهودكم المبذولة والمتواصلة, ثم اتقدم باسمي آيات التهنئة والتبريك للذين نجحوا والذي حصلوا على مجاميع مرتفعة (اقول مجاميع وليس معدلات) لان النظام الجديد اصبح نظام مجاميع وليس نظام معدلات, متمنيا للذين اخفقوا في هذه الدورة حظا اوفر في الدورات القادمة.
حتى اللحظة مازال المجتمع الاردني ينتظر تقرير من اساتذة متخصصين في (القياس والتقويم) لألقاء الضوء على نتائج امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة, حيث جاءت هذه النتائج في هذه الدورة بــ(علامات متطرفة) ملفتة للنظر, والقيم المتطرفة يا سادة يا كرام في لغة الاحصاء تعني ان هناك قيم مرتفعة جدا, يقابلها قيم منخفضة جدا, مع انعدام القيم الواقعة في الوسط, وهذا الامر يدلل على ان نتائج الطلبة لم تأخذ شكل المنحنى الطبيعي المعياري لتوزيع العلامات(Normal Curve), وبالتالي فان هناك خلل كبير في شكل ومضمون الامتحان لهذه الدورة, الامر الذي يتطلب استنفار من الدرجة الاولى عند اساتذة القياس والتقويم.
للأسف الشديد, كل التفسيرات التي جاءت حتى اللحظة حول تطرف نتائج هذه الدورة وغرابتها ليس لها اية قيمة تُذكر بلغة القياس والتقويم, وليست مقنعة للذين يعرفوا دلالات القيم المرتفعة جدا, والتي يقابلها القيم المنخفضة جدا, مع انعدام القيم الواقعة في الوسط, واعتقد جازما هنا ان مثل هذه النتائج المتطرفة لم يشهدها امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) منذ ان بدأ هذا الامتحان عام 1961م, فالامتحان الجيد الذي يأخذ مواصفات (الامتحان المحكي) ينبغي ان تتوزع فيه 85% من علامات الطلبة في الوسط, وأن تتوزع فيه 7,5% من علامات في الفئات العليا, ثم تتوزع فيه 7,5% من علامات الطلبة في الفئات الدنيا, كل ذلك ينبغي ان يحصل بشكل طبيعي دون اجراء اية معالجات احصائية تُذكر, وعلى ما يبدو ان هذا الامر لم يظهر في نتائج هذه الدورة, ومن هنا جاء الخلل.

في جميع انحاء العالم تتم عملية تفسير نتائج الامتحانات والاختبارات العامة من قبل متخصصين في القياس والتقويم فقط, ولا يسمح لغير هؤلاء من اعطاء أي تحليل او تفسير, حيث ان الامر يحتاج الى تحليل بيانات وتحليل منحنيات احصائية, ثم يتطلب حساب متوسطات حسابية وانحرافات معيارية, ثم يتطلب حساب معاملات الصعوبة ومعاملات السهولة لفقرات الاختبار, الى غير ذلك من عمليات احصائية.
ففي (كوريا الجنوبية) مثلا, تُفسر نتائج الامتحانات والاختبارات من قبل لجنة متخصصة في القياس والتقويم, تقوم هذه اللجنة بكتابة تقرير كامل ومفصّل, ومن ثم يعطى هذا التقرير لوسائل الاعلام ليتم نشره, اما في (اليابان) فتفسر نتائج الامتحانات والاختبارات من خلال مركز مستقل ومحايد متخصص في القياس والتقويم يقوم بتفسير النتائج وارجاعها الى الجهة المعنية لاعتمادها, في حين ان (سنغافورة) تقوم بتفسير نتائج الامتحانات والاختبارات من خلال برمجية عالية الجودة والكفاءة, ثم تقوم هذه البرمجية بإعطاء الاسباب الحقيقية لأي تطرف في العلامات, لكن الامر ربما يكون مختلف شيئا ما في (نيوزلندا), حيث تعطى نتائج الامتحانات والاختبارات لثلاثة لجان, كل لجنة تتألف من سبعة متخصصين في القياس والتقويم, ثم تقوم كل لجنة بكتابة تقرير شامل متعلق في تحليل وتفسير تلك النتائج, لتلتقي هذه التقارير في آن واحد عند المعنيين لرؤية مدى توافقها, ومن ثم يتم عقد مؤتمر صحفي لتوضيح حيثيات النتائج امام الشعب النيوزلندي.
تحليل وتفسير (غرابة) نتائج امتحان الثانوية العامة لدينا في هذه الدورة, وتطرف قيمها, حيث المعدلات المرتفعة جدا, والمعدلات المنخفضة جدا, مع انعدام المعدلات الواقعة في الوسط, ما زال حتى اللحظة في عالم المجهول وعالم الغيب, والسبب من وجهة نظري المتواضعة هو عدم وجود جهة متخصصة ومحايدة من الاساتذة في (القياس والتقويم) في وزارة التربية والتعليم او حتى خارجها لتقوم بهذا العمل المهني, ومن ثم اعلام المواطنين بالنتائج الحقيقة لمثل هذه الظواهر الرقمية المتطرفة في المعدلات, ليصار الى اصلاح الخلل ان وجد, ومن ثم تطوير الاداء لاحقا.
بقي ان نقول: والحال هكذا من سيفسر لنا مشروعية (سرعة) عقد الامتحان التكميلي المنوي عقده في غضون الايام القليلة القادمة؟ فالفترة ما بين خروج النتائج وانعقاد مثل هذا الامتحان قصيرة جدا جدا, والأثار النفسية عند هؤلاء الطلبة الذين اخفقوا في النتيجة السابقة ما زالت قائمة, مع اقرارنا ان عقد مثل هذا الامتحان التكميلي مطلب مجتمعي مشترك, وتشكر عليه وزارة التربية والتعليم, لكن ليس بمثل هذه السرعة.
في لحظة معينة «نيوتن», وما ادراكم من هو نيوتن, توقف قليلا عند المثل العربي القديم والقائل: في التأني السلامة وفي (السرعة) الندامة!