بعض ردود الفعل الأولية على نتائج امتحان الثانوية العامة الذي يعقد للمرة الأولى وفق النظام الجديد، يجب أن لا تسيطر على تشكيل الرأي العام واتجاهاته، وتوصلنا إلى استنتاجات لا تخدم مسار إصلاح التعليم وتحديدا تلك الردود التي تبحث عن اسرار خارج النظام التعليمي لارتفاع معدلات الطلبة هذا العام، فالامتحان الذي عقد في تجربته الأولى لمرة واحدة وليس على فصلين لا يمكن ان تحصر نتائجة فقط في اتساع قاعدة الحاصلين على معدلات أعلى من السنوات السابقة ولا بارتفاع نسب النجاح بمقدار محدود عن معدلات النجاح التقليدية، ان الفكرة الاساسية للامتحانات في كافة الأنظمة التعليمية المعافاة ان تقيس بالفعل قدرات الطلبة بدون ان تتقصد التعقيد ووضع الصعوبات أمامهم، والسؤال اليوم هل تقيس نتائج الثانوية العامة لهذا العام قدرات الطلبة الأردنيين بالفعل، إذا كانت الاجابة نعم أو حتى الى حد ما فنحن بخير، والتعليم يتقدم.
في سنوات مضت سيطر منظور إعادة الهيبة على امتحان التوجيهي مقابل حالة الفلتان وعدم الانضباط التي شهدتها قاعات امتحانات في مناطق عديدة من البلاد لظروف مختلفة، وساد اعتقاد أن ضبط الامتحان وإعادة الهيبة له هو المدخل الصحيح لإصلاح الامتحان وتطويره، وهذا الصحيح على أن لا يتم الاكتفاء بهذا الأمر، فلقد مضت عقود على التعديل والتبديل ومحاولات إصلاح الامتحان لكنها لم تصل إلى العمق ولم تضع الامتحان في موقعه الصحيح في منظومة التعليم وبقي ثمة اعتقاد سائد لدى فئة من الخبراء ومن المجتمع أن صعوبة الامتحان دليل على قوة النظام التعليمي.
مرة اخرى ان الرهان الحقيقي أن تكون منظومات الامتحانات سواء المدرسية أو الثانوية العامة أو الجامعية قادرة على قياس قدرات الطلبة الحقيقية بدون زيادة أو نقصان وفقا للأهداف الموضوعة لكل امتحان، وليس صعوبة الامتحان وتعقيده ما يقود الى تطوير الامتحان، فذكريات الأردنيين وعلى مدى عقود طويلة عامرة باشكال متعددة من الاسئلة المعقدة خارج المنهاج أو داخلة في الفيزياء والرياضيات والكيمياء وغيرها، وما يزال الكثيرون يتذكرون ويتندرون بسؤال النملة أو سؤال المكعب الذي لم يحل منذ عقدين أو ثلاثة عقود إلى اليوم!
الانشغال باتساع قاعدة المتفوقين وحصول أحد الطلبة المتفوقين على علامة كاملة يأخذ طابعا شعبويا سلبيا بدلا من الثقة بطلبتنا وبتحصيلهم، ولا ينظر للتجربة من كل زواياها، ولا يذهب لسؤال جوهري هل كان الامتحان يتقصد التعقيد على مدى سنوات طويلة، ثمة مؤشرات مهمة اخرى في النتائج هذا العام حرية بالاهتمام، لعل من أبرزها استمرار تراجع نتائج التعليم المهني فنسبة النجاح لم تتجاوز 41.4 %، واستمرار حالة تأنيث التعليم في حجم المنخرطين في النظام التعليمي من طلبة ومعلمين واليوم في النتائج فمعظم الاوائل اناث، لم نسأل هل استطاع الطلبة المتفوقون أن يعبروا عن انفسهم في عشرات اللقاءات الإعلامية التي اجريت معهم؟ ام انهم ما يزالون تحت رحمة نظام التلقين والحفظ.
عمليات الإصلاح التي مر بها النظام التعليمي على مدى السنوات الماضية مهمة، وتمر حاليا في مرحلة الاختبار الحقيقي فمن المتوقع ان تظهر قبل نهاية العام نتائج الاختبار الدولي لتقييم الطلبة "بيزا” الذي يجري في مجالات محددة وهي القراءة والرياضيات والعلوم، ويجري كل ثلاث سنوات وللاسف تراجع تحصيل الطلبة الأردنيين في الدورات الاخيرة في دليل آخر على تراجع النظام التعليمي، الاختبار الاخير والنتائج التي ستعلن قريبا ستكون مؤشرا آخر مهما على سلامة مسار الإصلاح.
ملف انظمة الامتحانات والتقييم الجامعي من الملفات المهملة التي لم تأخذ نصيبها من النقاش ولم تبرز بشكل واضح في خطط إصلاح التعليم، نحن بحاجة الى بنك وطني للاختبارات، وبحاجة إلى أتمتة شاملة للامتحانات والاستفادة من الخبرات والممارسات الجيدة في القياس والتقويم الأكاديمي ؛ والاهم نحن بحاجة إلى الإيمان بقدرتنا على الإصلاح وأن ندع مساحة للتفاؤل، وان نخرج من ذهنية سؤال النملة الذي لن يحله أحد.