ويكيليكس وصراعات الكواليس



في أي حياة سياسية توجد خشبة المسرح، وتوجد الكواليس، والحديث الذي يدور في الكواليس يتكون من بالونات اختبار وآراء شخصية ورسائل مبطنة تماما مثل ما يلقى في أحيان كثيرة أمام الجمهور، كل ما في الأمر، أنه يتمتع أحيانا بحرية أكبر، وتظهر فيه الحسابات الشخصية بصورة واضحة.

السياسيون الأردنيون، ومنهم من يفتقد للحس الإبداعي أو المخيلة السياسية، هم من أبناء المدرسة القديمة، الذين يرون أن 99% من أوراق اللعبة بيد الأمريكيين، وبالتالي فمن مصلحتهم أن يحتفظوا إما بخطوط مفتوحة مع السفارة الأمريكية أو على الأقل بشعرة معاوية مع ممثلى العم سام، يشترك في ذلك المحافظون والليبراليون، على أساس، مالي أكتم حبا قد برى جسدي.. وتدعي حب سيف الدولة الأمم، ولأنهم ينظرون للأمريكيين كجهة مؤثرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في القرار الأردني، فالتقارب والتصارع على مودتهم مطلوبة.

السفير الأميركي من جهته لديه منافسون، وفي بلد مثل الأردن، تكون الشائعات فيه احدى الوسائل السياسية التي أثبتت جدواها على مدى سنوات، فكثير من الشخصيات ذهبت ضحية شائعات، عدا من قضى أو ينتظر رحيله من المشهد بناء على المكائد والدسائس، وعليه فإن أي دبلوماسي أمريكي يتصرف مثل العاملين في الصحف الصفراء، يبحث عن الإثارة ليقنع موظفي وزارة الخارجية بأنه يستطيع أن ينسج العلاقات ويخترق كواليس العملية السياسية في الأردن.

في وزارة الخارجية الأمريكية يوجد في المقابل مجموعة من خريجي جامعات النخبة الذين كانوا يعتقدون أثناء دراستهم في الجامعة أن أفغانستان هي أحد الجبال في العراق، كما يتندر أحد الزملاء الأردنيين ممن دعوا للسفر والتعامل مع طلبة تخصص الدراسات الشرق أوسطية في الولايات المتحدة، وعلى هؤلاء أن يتابعوا تقارير تنتمي للأدب الروائي أكثر منها للحقائق، ففي النهاية فالمسألة تسلية في تسلية كما يبدو.

فوق كل هؤلاء، توجد مصالح أردنية – أمريكية، يقوم بإدارتها مجموعة محدودة من الأشخاص، وفي الطرف الأمريكي موظفون كبار في البيت الأبيض وبعض أعضاء الكونغرس المؤثرين، وهم عادة لا يقيمون وزنا كبيرا في مسألة المساعدات للأردن أو القرارات الاستراتيجية بخصوص الأردن لتقارير الخارجية أو حتى المخابرات المركزية.

ما يندرج في ويكليكس يقترب من الثرثرة والفضفضة، أو محاولة لإثارة فضول أو شهية الأمريكيين للالتفات إلى قضية أو أخرى، أو حتى لتسويق المسؤول لنفسه كاحدى الأوراق الأمريكية المحتملة، ولكن ذلك لا يحمل أي تأثير كبير على الاستراتيجية الأردنية – الأمريكية.

الدبلوماسي الأمريكي لا يمكن أن يقارن بالدبلوماسيين الأوروبيين أو حتى الآسيويين، فهو ينتمي لعقليتين، اليانكي Yankee الماكينة العاملة التي تحاول أن تجمع أكبر قدر من المعلومات لتتركها لآخرين يقومون بفحصها وترتيبها واستخلاص النتائج، أو عقلية الـ Yuppie المتحذلق الذي يجيد التعامل مع العروض التقديمية ويعتقد أن الآخرين دونه في الذكاء والفطنة، وبالمناسبة فالنموذجان متواجدان في الأردن، ويتصارعان بنفس الطريقة الموجودة في الولايات المتحدة.

المستفيدون، من يجدون في ويكليكس تسلية وتمضية للوقت بصورة مثيرة، الخاسرون، من يبنون مواقفهم على أساس هذه الفرقعات والواجبات المدرسية لدبلوماسيين من أنصاف الموهوبين وسياسيين بدون أي موهبة أصلا.