تركيا في سياسة الاتحاد الأوروبي



تحوي المنطقة الاقتصادية الخاصة المحيطة بقبرص والمحاذية للمياه الاقليمية التركية ما يقارب 3 تريليونات ونصف متر مكعب من الغاز؛ كمية تجارية تتوزع على مساحة واسعة شرق المتوسط لذلك لم يكن من الصعب ان تتمكن سفينة الفاتح التركية التي تعمل شمال غرب قبرص من اكتشاف حقل يحوي 175 مليار متر مكعب من الغاز أي ما يعادل 2% من الاحتياطات المقدرة بالقرب من جزيرة قبرص.
النشاط التركي لم يتوقف واتخذ منحى التحدي لنيقوسيا عاصمة قبرص الرومية ومن ورائها اليونان التي اعترضت على النشاطات التركية وتوجهت الى الاتحاد الاوروبي الذي اتخذ بدوره قرارات يوم الاثنين الماضي في بروكسل وبحضور وزراء الخارجية الاوروبيين الذين ناقشوا الى جانب الملف التركي الملف النووي الايراني؛ لينتهوا الى المصادقة على عقوبات مقترحة تتضمن وقف الدعم المالي لتركيا للعام 2020 بقيمة 150 مليون يورو، ووقف اشراكها بلجان التفاوض للملاحة الجوية وتجميد العديد من الآليات الدبلوماسية مع تركيا.
الاتحاد الاوروبي اظهر صرامة غير عادية في التعامل مع انقرة تفوق صرامته في التعامل مع طهران التي اعلنت زيادة في كمية اليورانيوم المخصب لتفوق 300 كغم ورفعت مستوى التخصيب الى ما يقارب 5% بل وذهبت موغريني ممثلة السياسة الخارجية الاوروبية الى القول بأن الخروقات والتجاوزات الايرانية طفيفة ولا تمثل تهديدا للاتفاق النووي، في حين اعتبرت النشاط التركي في المتوسط خروقات خطيرة؛ في حين صرح وزيران ألماني ونمساوي أن الاتحاد الأوروبي سيتخذ قرارا بمعاقبة تركيا رمزيا على ما يصفه التكتل بالتنقيب «غير القانوني» عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص، وسيهددون بفرض عقوبات أشد في المستقبل ما لم تغير أنقرة أسلوبها.
تباين في المواقف يدفع الى طرح اسئلة حول الدوافع من خلف التصعيد الاوروبي تجاه تركيا علما بأنها عضو في الناتو وتتمتع بتماس جغرافي مع اوروبا وشراكات امنية وسياسية كبيرة تمس امن المتوسط واستقراره؛ ورغم ان الموقف الاوروبي قدمت له تفسيرات قانونية تنفي شرعية منح قبرص الشمالية التركية رخص التنقيب لأنقرة؛ اذ لا تعترف الدول الاوروبية بها، كما لا يعترف اغلب المجتمع الدولي باستقلالها؛ ما يدفع لطرح سؤال على الجانب الآخر من الازمة: لماذا تصر تركيا على التنقيب عن الغاز في المنطقة الخالصة لقبرص الشمالية بدل استكشافه في منطقتها الاقتصادية؟
الخطوة التركية تضع جزيرة قبرص من جديد على طاولة المفاوضات استعدادا لجولة جديدة تقرر من خلالها مصير الجزيرة، فالخطوة التركية لن توقفها العقوبات الاوروبية، كما لن توقفها المناورات الدبلوماسية لنقوسيا واثينا؛ فالحل بات مرتبطا بالذهاب الى مفاوضات جادة تحسم الوضع القانوني في جزيرة قبرص، والاهم مفاوضات ترسم معالم العلاقة التركية مع القارة الاوروبية والاتحاد الاوربي والتي باتت علاقة يشوبها الغموض وعدم اليقين فهي الآن على المحك.